حجر الألف لعمر سعيد/ بقلم د. نهى عاصم
حجر الألف
لعمر سعيد
كلمات الغلاف من الخلف توحي بالغربة التي يعيشها البطل الذي جمع ذكرياته في كيس أسود ربطه بروحه وحمله على كتفه ورحل، ولكنه تذكر أنه ام يحمل معه مفتاح البيت، وحين عاد لم يجد أي شيء من ذكرياته سوى وكما يقول الكاتب:
“وحده باب بيتي كان لا يزال في المكان، يقف منغلقًا، ينغلق على لا شيء، أو على ما كان”.
ذكرتني كلماته بكلمات أغنية من بلاد الأديب لبنان”عمرك شفت شي باب عم يبكي”.
ثم جاء الإهداء ليؤكد أن الغربة لا تخص البطل وحده، فهي قد تخص الكاتب وكل مغترب يعيش بعيدًا عن وطنه:
“إلى تلك الحقائب التي ظلت في الطريق”
يلي الإهداء وعيد من أحدهم بالانتقام من سكان مدينة ما في قاعة ضجت بالحيرة والتوجس والتوسل..
نحن أمام رواية مختلفة مشاهد يتحدث فيها الأديب عن بطل ما او ربما عن نفسه حينما ذهب إلى تركيا تاركًا بلاده لبنان وهو كاتب يحدثنا عن كتاباته ومبادىء الكتابة وما آلت إليه الثقافة والأوساط الأدبية وبعض الأدباء مدعين الثقافة والإنتاج الأدبي، كل هذا في صورة مقالات بداخل الرواية تشعرني بوجود الصحفي داخل العمل، صحفي بجعبته ألف ألف حجر يلقيه في الماء الراكد الأسن..
يحدثنا الكاتب عن شخصيات لجأوا إليه وعاشوا بداخله وجعلوه يكتب عنهم أو يتركهم لمصيرهم لفترة ما ثم يسطرهم في حكاياته،
فنجد مشهدًا لرجل وزوجه وسط حرب وقصف ما ولكنها رغم القصف تتجمل وتتزين وتغازله وتحاول حمل ذكريات حبهما معًا قبل الخروج من البيت هربًا من النيران التي لا تترك أخضر ولا يابس..
وتتوالى المشاهد فلا نعلم ما منها يخص الأديب وما منها يخص شخصياته ..
يدافع الكاتب عن الأنثى والأطفال ويعلم أنهم ظلموا من الزوج والأب ومن المعلم في الأزمنة الماضية فيقول عن الأم:
“وحدها أمي لم تكن معصومة، والسبب بسيط، كنت أسمعه من أبي:
-المرأة ما بتنضف.
وهذا وحده كفيل بإسقاط العصمة عنها”.
كما يشير الكاتب إلى مصاب لبنان وقضايا كثيرة بها وكذلك قضايا مجتمعية كثيرة في كافة دولنا العربية..
ثم بعد عدة مشاهد مختلفة يعود بنا الأديب للرجل وزوجه الفارين من القصف أو للشاب الذي فر من والده الذي هشم رأسه بعصاه، وهكذا فيشعرنا أننا أمام رواية دائرية..
وما أجمل الحكاية التي اقتبس منها كلمات الغلاف وما أجمل النصيحة بها:
“ليس مهمّا من أي الجهات أتيت، المهم أنك مسافر بحقيبة، لا تنس؛ أن تترك فيها من ملابسك، قطعة برائحة الوطن، وفي رئتيك بعض الشهيق، فأي امرىء يخلع جلده، يبتزه الموت في الطريق، بلا أهل، بلا أحبة أو كفن”.
في بعض الحكايات يخبرنا الكاتب عن أزمة المغترب في بلاد لا يتحدث بلسانها وكيف يمضي وقته في طوابير المعاملات الرسمية وغيرها..
وما أصعب حكايات مخيم موربا الذي كان يجمع اللاجئين من نيران أوطانهم إلى نيران الغربة والمهانة والجور..
“في الغربة يكفي أن يسألك أحدهم: من أين أنت؟! لتستفيق كل هزائمك الحقيقية”.
أنا أيضًا أحب كتابة الخواطر النثرية بصورة عمودية بغض النظر عن أصول كتابتها..
لغة الكاتب جميلة يقول عن الكتابة:
“الكتابة الممتعة هي الكتابة التي تشب فينا اشتياقًا خلال حلم، يوقظنا على فرح حقيقي، وإن لم نقبض عليه”.
” هل يعاني موتى الروايات من عذاب القبر، والجحيم؟”.
“أثبتت لي تجربتي مع الترحال، والتي قطعت فيها أربعين عامًا وحيدًا، بلا زاد، أو فراش، أو بيت، أني فينيقي، يمكنه أن يغفو على دفة المجذاف في أشد البحر هيجانًا، شرط أن يكون اتجاه الرياح صوب شواطيء الوطن”.
ما أجمل حكاية المظلة التي اتسعت لخمسة من المغتربين: لبناني وسوري، أفغانية وإيراني ومصري لنصف ساعة من الزمان تحت الأمطار الشتوية في تركيا وكما يقول الأديب:
“في ليل أشد حلكة، وبردًا، وغربة من ليالي أوطان، عجزت سماواتها عن إيوائنا، وإن صيفًا”
وفي النهاية هو لا يبرىء نفسه بل يقول:
” لا يعني ذلك أني أحاكم هنا، وأني أنزه نفسي، بل إني أحاول إثارة الأمر، لعلي أبلغ معكم، معي، معنا، سبيلًا لتمكين الإبداع، والمتلقي من بعضهما البعض، إذ لا خلاص لنا من أي أزمة بتكرار محاولات الحل الفاشلة نفسها”.
شكرًا للكاتب عمر سعيد وتمنياتي بقراءة باقي أعمالك قريبًا، وبالمزيد من الأعمال..