نعم أنا بائع الكعك (بقلم عمر سعيد)
أنا بائع الكعك الذي خبز عجينه من طحين جسده الممزق في الطرقات..
أنا بائع الكعك الذي يجمع ثمن الرغيف بالليرة، وبنظرات ممتنة للمحسنين..
أنا بائع الكعك الذي يوقظ ببريق الكعكة الذهبي صباحات العابرين إلى العيش الكريم.
أنا بائع الكعك الذي يصل قلوب المحرومين ب: كعك.. كعك.. وتلك أعظم إعلاناته للعيش الكريم.
أنا بائع الكعك الذي لا يصنع أكثر من بضع كعكات تكفي لحفظ حياة أسرته ليوم آخر..
انا بائع الكعك الذي لا يعلم أبناءه أكثر من القراءة والكتابة، لأن ما يدره بيع الكعك لا يفيض عن حاجة الجسد، لكنه يعلمهم أن الغش وإن في كعكة واحدة فساد.
أنا بائع الكعك الذي يشبه شوارع مدينته، وأحياءها وأزقتها، لأنه لا يفارقها للاستجمام على حساب المحرومين.
أنا بائع الكعك الذي يلون شهية الجائع بكعكة لن يحطم اقتصاده أن يسامح من ليس معه ليدفع.
أنا بائع الكعك الذي ليس في حياته الكثير من التفاصيل، لكن تلك التفاصيل القليلة والقليلة جدا في حياته، تشبه تفاصيل مدينة الثورة طرابلس وكل مدن الوطن النقية.
أنا بائع الكعك الذي يبيع الكعك خارج القيد الطائفي والديني والسياسي.
أنا بائع الكعك الذي يلون حياة الصغار بفرحة بسيطة، لا تحتمل جشع السلطات.
أنا بائع الكعك الذي يعرفه صغار وكبار الصباحات النظيفة.
أنا بائع الكعك الذي أذا مات افتقده عابرو الشارع المجهولين.
انا بائع الكعك الذي كل ثرواته ليست أكثر من طاولة وسيبة وبضع كعكات وقطعة قماش ليست من ماركة عالمية.
أنا بائع الكعك الذي يعطر صباحات المسرعين إلى أعمالهم برائحة الكعك والسمسم، لا برائحة السموم والنفايات. لكنه ما كذب على الناس بخطابه التاريخي: كعك كعك..
أنا بائع الكعك الذي يشبه بقايا الفكة، وتلك الأف ليرة الباهتة في جيوب المعسورين.
أنا بائع الكعك الذي ما فر من ناصيته، ولا من أهله، ولا كعكه، ولا طاولته وسيبتها النابتة من التراب.
أنا بائع الكعك الذي لم يتبدل طعم كعكه طوال عهده الطويل.
أنا بائع الكعك الذي لا يملك في البنوك حسابات مشبوهة من صفقات الدم والتجارة بالوطن.
أنا بائع الكعك الذي لم يتسبب بانهيار عائلته وأطفاله، ولا بانهيار وطنه الجميل.
أنا بائع الكعك الذي لا يشرفه أن يترك الكعك، ليكون في بعبدا مع من ترك الصمير والأخلاق والوطن.
نعم أنا بائع الكعك
عمر سعيد