قراءة في تجربة سمعان الخويري العزلوية في جبال إهمز .. (بقلم عمر سعيد)
لعل البعض يعتقد أن تجربة سمعان الخويري هي تجربة فنطازية، هدف منها صاحبها الدخول في موسوعة غينس أو في وجداننا المهووس بالغرائبيات.
غير أن المراقب العميق، يكتشف أنها تجربة من مخلفات الخيبات الوجودية في حياة تقوم على اللاجدوى.
أتت إجابات سمعان إختصارية.
تكثف بإيجازاتها عمق الخيبة داخله كنموذج لإنسان القرن الواحد والعشرين جراء التجربة البشرية الفاشلة منذ بداية خلق الإنسان وإلى اليوم.
س- شو الاسم بالخير؟
ج- سمعان ..
– سمعان شو؟!
– خويري
– خبرني عايش وحدك هون؟
– الله وحده؟!
مين كان عايش معك هون؟!
– انا والمرحومة إمي
تلا كلامه صمت ثقيل، أتبعه ب:
– بقضي نهاري … نوم وزق حطب
– بتاكل من الارض يعني؟!
– اه هذا مخه بعبه في أطيب منه ؟!
– شو بتاكل كمان ؟!
– خبز!
وأتت الإجابة مبتورة، دلالة على القطيعة القاسية التي تفرضها الخيبات على الإنسان.
– في كهربا؟!
– إه
ثم يضحك ضحكة عدمية: بضوي هالشمعة..
– كل الليل بتقعد وحدك؟!
– وحدي.. مين معي .. ما معيش حدا!
– عندك تلفزيون ؟
– لا ..
– تلفون؟
– لا.
– مين بيجي لعندك ؟!
– ما حدا.. ما طلعش ع بالنا الجازة.. وراحت الأيام.. وهلأ صار بدنا نروح لعند الكنيسة.
ثم لا شعورياً مسحت ابهامه طرف عينه..
إذ ليس بالضرورة أن نمسح أعيننا لإزالة الدمع، قد تأتي هذه الحركة كتعبير عن الرغبة بالزوال الناتجة عن الشعور بالغربة الموحشة.
اسأل نفسي فأراني سمعان.
– ما بتخاف؟!
– لا.. ما بخافش من عزرايل ..
يتبعها بضحكة ساخرة .. بدو ياخدني بروح ..
وهنا كانت العبارة حاسمة في رفض الاقرار بان تجربة الحياة تستحق الاستمرار، وإن كنا نعيشها بقناعات التصبر والإيمان.
أنا عايش وهني يصطفلوا؟!
– منن؟
– اللي بالقصور؟!
ثم أكمل في آخر جمله:
أنا مبسوط بحياتي
عبر عن بسطه من قعر حزنه الشاكي ( وهني يصطفلوا.. اللي بالقصور)
لقد تأطرت تجربة سمعان ببضعة إجابات، فالوعي الذي انطلى في إجابات سمعان، أشار إلى شخصية أسست وجودها استنادا إلى عدمية هذه الحياة، ولن اعتمد في قراءتي على المفردات التي يستخدمها لخدمة جسده.. من رماد، وحطب، وغالونات ماء، ومعول وغيرها مما تناثر في فضاء المكان بمشهدية، تشبه زمن الكورونا العبثي..
بل سأظل داخل سمعان الذي أسس أسلوبه في التعبير باختصارات، تتناسب مع لا جدوى الإطالة في الكلام والاستعراض المظهري في تجربته.
فسمعان شخصية ليست انطوائية، كما بدا، من إجاباته، لكنه يعرف وبعمق لا جدوى الانخراط في عالم خارج حدود عزلته:
( اللي عايش وحده بكون زعلان؟! )
فالواقع الذي يمثله سمعان أبلغ من تفاصيل اللغة..
فلا تعنيه الأحداث المحيطة من كورونا، وغيرها، ومن وجهة نظره إن كل ما يحصل لا قيمة له، لا في البعد الابتكاري، ولا في البعد التهديدي للحياة( بدو ياخدني بروح)
غير أنا سمعان على الرغم من تجاهله البعدين الزماني والمكان وتأثيراتهما، وتجاهلهما، لم يستطع تجاوز الشعور برغبة إدانة عالم يتحمل مسؤولية كل هذه اللاجدوى التي يؤمن بها سمعان( أنا عايش وهني يصطفلوا )
و ( ما بخفش من عزرايل )
إن الخراب الذي بدا من حول سمعان في متناثرات المكان، وفي المنزل، هو خراب في داخله، خراب خلفته الخيبات.
بدت شخصية الرجل شخصية عدمية بامتياز، ترضى بما يحصل، ترفض التغيير، والثورة، وتتقبل مصيرها غير المسؤولة عنه بكل حكمة وسلام، غير أن تلك المشاعر لا تعني بتاتا تجاوز الحزن إلى السعادة، ومن قال أن الحزن يبنى على أنقاض الخسارات فقط، بل إنه تعبير أبعد بكثير، ينتج عن حلول الشعور بالعجز عن الرحيل والعجز عن الاستمرار، وبالتالي يظل المرء عالقاً في كلية هذا الوجود المتهاوي في داخلنا..
أخيراً و على الرغم من اختصار الكلمات التي أفصح سمعان بها عن وعيه، تظل روحه خصبة بالوجع دون تسام أو ادعاء..
#عمر_سعيد