أول الشتاء.. آخر الألوان (بقلم عمر سعيد)
أول الشتاء.. آخر الألوان
قراءة في لوحة شوقي دلال
في لوحة المبدع شوقي دلال أول الشتاء، تمطر ريشته الجمال والألوان.
بقايا الأخضر، وبداية الأصفر، وبعض السماء، تحضر جميعها في عمل غلفته ريح التشارين الخفيفة بقليل من التموجات اللونية، وتمايل الأشجار.
لم يرسم شوقي دلال، بل صب الروح منه ألوانا، تكاد الطبيعة أن تغبطه على عين،تعكس ما قد تعجز هي نفسها عن إحلاله في المكان.
تخضبت الطريق بالاستعدادات العفوية لانضاج شهوات الحقول، وما فيها.
في كتابي الجديد باسم (اليقظة الأولى) والذي أنكب على إنجازه، أعتقد فيه جازماً أن الماء هو الموقظ الفعلي لتفاوتات اللون والمذاق والروائح والأشكال والسلالات)
في أول الشتاء، يؤكد لشوقي دلال بألوانه نظريتي في اليقزة الأولى.
فما التراب بغير الماء؟
وما الشجر بغيره؟!
والسؤال الأشد حضوراً: ما الألوان بغير الماء؟!
إن حضور الماء في هذه اللوحة، هو استعدادات المخيلة عند دلال لاستدراج امتزاجات اللون إلى حيث تعمد أو لم يتعمد.
فلا شيء في لوحته لا يوحي بالماء!
الغيوم اللونية، الطين المستفيق أنصاباً صوب السماء بخنادق تستعد للحبل، الريح المبللة على ما تبقى من أكف الأغصان، الضباب المنبعث من رطوبة المكان، كلها حملت الألوان والماء، لتكون.
إذ لا لون بغير الماء، ولا طين بسواه، وبلا دلال، وبدونه، ولا جمال لولا شهوة الريشة للاستحمام في أغادير المياه بين كفيه.
وعلى الرغم من حدود اللوحة التي تتقسم بين أسفل مبتور إلى جنبات توحي بالبقايا، بقيت السماء في حد لوحته العلوي امتداد دورة الحياة التي تبدأ من أسفل إلى أعلى، لتعود.
فاليقظة الأولى في عمل شوقي دلال هي يقظة ضوء، يشق بريق الرطوبة من عينيه، ليوقظ المخيلة على قراءة مكان قراءة تتفرد بسحرية الخط الذي تمدد تحت اشتايق الفعل والريشة.
فكان حلول الماء في دلال يقظة الجمال في مساحة تقاس بالسنتمترات.
كل هذا الخيال المعبأ باللون والجمال والتساؤلات، سال على حواف المياه والقماش.
إنها يقظة عناصر الحياة والخب والجمال في تكامل الوعي الخالص لمبدع خالص.
عمر سعيد