هزمتنا ثقافتنا الموروثة ، ولم يهزمنا استعمار لعقود أو قرون. (بقلم عمر سعيد)
عشرات الأمثلة الشعبية نرددها، ونحن نتحاور في أبسط لقاء أو جلسة نعقدهما..
عشرات الأحاديث الدينية – بغض النظر عن صحتها أو وضعها أو الاتفاق عليها، أو إسنادها، او تضعيفها – نوظفها صوتياً في تجمعاتنا الكلامية.
عشرات القصص، والعبر، والأمثلة والنماذج، نستشهد بها، نضعها داخل إطار زجاجي أو على خلفيات حجرية أو خشبية، ونعلقها في بيوتنا ومكاتب عملنا، لنراها كل لحظة، كل يوم.
غير أن كل ذلك لا يتعدى حدود الحكي والكلام والاستعراض.
لذا، تداخل العقل الجمعي والفردي في بيئاتنا بشكل يجعلنا؛ ونحن نصغي لفرد ما نتعرف إليه وإلى مجتمعه من جملة واحدة تأتي على لسانه.
غير أن ذلك التعرف لن يخدمنا بشيء !
إذ ليس لكل ما يأتي على لسان الفرد، أو المجمتع من قيمة.
لأن قيمة الأقوال في تطبيقها، لا في تردادها وتكرارها.
فمن النادر أن تلتقي شخصاً، لا يحفظ الحديث :
” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ” لكنك في والوقت نفسه، تجد أن أكثر من يحفظونه، لا يؤمنون بتطبيقه.
عشرات الأقوال الموروثة نحفظها، غير أن توظيفها، لا يصلح فينا ما أفسد الدهر.
فهل الخلل فينا، أم في موروثنا؟
وما الذي يوسع الفجوة بين ما نقول وما نفعل ؟!
سؤالان نتلمس حضورهما في لعقول على اختلاف وعيها وعلومها، من خلال ردود أفعال كلامية أو نفسية واضحة وبسيطة.
فالكل محبط، يجلد ذاته بعبارات مثل :
“لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا مابأنفسهم، ما في حل، منستاهل، الله لا يردنا، ما منتعلم”
والكل يتمنى معجزة، تسقط الهيكل على رؤوس الجميع، والإتيان بجيل جديد كما حدث في زمن الطوفان.
لقد بات حالنا كحال كومبيوتر، تجد فيه أي معلومة أو عبارة أو قول أو خبرة، لكنه مجرد كومبيوتر ساكن.
يكرر ويستعرض ما فيه من بيانات آلاف المرات، دون أن يتعدى كونه كومبيوتر صامت، لا فعل له دون تدخل خارجي.
و هنا يطرح السؤال نفسه :
ما الذي يجعل ذلك الكومبيوتر، لا يستفيد مما فيه من بيانات ومعلومات ولو بقدر شعرة ؟!
إنها البرمجة..
نعم البرمجة. تلك التي جعلت الكومبيوتر يقدس كل ما فيه من بيانات، ويبحث عن كل ما يحميها من تلف و فساد وضياع.
ذلك لأنها بيانات أتته من خارجه، أمام عجز ولا حول عن تغيير شيء، لأن ما فيه مقدس.
وليست قدسية ما فيه بسبب القيمة العائدة عليه، بل لأن البرمجة حددت مهمته، وأفقدته القدرة على ما وراء مهمة التخزين.
كذلك هو حالنا، فنحن مجرد ذاكرة مبرمجة، فردية كانت أم جماعية.
ذاكرة تحمل كما هائلا من البيانات، والمعلومات والخبرات وغيرها.
تحملها بشكل مقدس، أفسد على العقل القدرة على التعامل مع تلك البيانات أو توظيفها أو تحليلها أو الإفادة منها أو إنتاجها من جديد.
فالمقدس تقصينا قدسيته عن جوهرها، وتبقينا خارجاً عند حدود بريقه فقط.
ففي الصلاة حول الكعبة، تشخص عيون الآلاف إلى ذلك المكعب الذي يتوسط دوائر المصلين، المكعب المكسي بالسواد، وبقدسية، تعطل العقل عن طرح سؤال :
“ماذا يوجد داخل ذلك الرداء الأسود المذهّب ؟”
لا بل يعتقد السواد الأعظم من أولئك المصلين، أن طرح مثل هذا السؤال قد يوقعه في الكفر.
وهذا يذكرني بحكيم هندي لخص الحال بقصة بسيطة جدا عن بائع شاي يملك من الحلول والنصائح ما يصلح مشاكل العالم كله، وهو على الرغم من أنه يبيع كل يوم قرابة ٥٠٠ كوب شاي، غير أنه لا يتقن صناعة كوب واحد من الشاي بشكل جيد.
وما كل ذلك إلا بسبب ذلك الموروث الذي قدسناه من خلف زجاج براق، دون أن نتجرأ على كسر ذلك زجاج، ونحاول لمسه لاكتشافه عن كثب.
لقد هزمنا موروثنا المقدس، ولم يهزمنا الاستعمار الذي ينقل على ظهورنا أسفارا ضخمة من الموروث المقدس من جيل إلى جيل، كما لو أننا مجرد كومبيوتر.
عمر سعيد