رأي حر

صوت الشعب الإيراني الحقيقي، هو إسقاط النظام الفاشي

نظام مير محمدي – الكاتب الحقوقي والخبير في الشأن الإيراني

على عكس الدول الديمقراطية في العالم حيث تتم إدارة شؤون البلاد بواسطة ممثلي الشعب، فإنّ تصویت الشعب في إیران لا قیمة له إطلاقاً في ظل دیکتاتوریة ولایة الفقیه.

علی مدارالـ 41 عاماً الماضية، لم تجر أي انتخابات بالمعنى الحقيقي للكلمة في إيران ولم يحدّد الشعب الإیراني الطريقة التي تتم بها إدارة البلاد قطّ لأنّ الولي الفقیه قد صمّم وأعدّ ما أراد القيام به بواسطة آلية مزیّفة یخدع بها الناس تسمى الانتخابات و”غرفة التجميع”. هذه الآلية لا تقتصر علی مجلس شوری النظام فحسب بل أنها تشمل آفة “مجلس خبراء القيادة” والرئاسة أیضاً.

خميني ولي فقیه النظام بلا منازع کان ینعت القوی والتیارات السیاسیة التي تؤمن بالتعددية ومشاركة الشعب في تحدید مصير البلاد بالمجحدین والمنحرفین، ویصف أولئك الذین یطالبون بالدیمقراطیة بالجهلة أو الخونة إنطلاقاً من معتقده القائم علی دمج الدین والدولة واعتماداً علی کل أدوات السلطة والهیمنة المتاحة أمامه.

سیاسیة خميني هذه ترتبط بمعارضة البرامج السياسية المعلنة من قبل منظمة مجاهدي خلق والتي اعتبرت منذ البداية أنّ ولاية الفقيه تتعارض حتی مع الحريات المحددة في دستور النظام، وآمنت في إنشاء جمهورية ديمقراطية یشارك فیها جميع أطیاف الشعب بإدارة شؤون البلاد من خلال الممثلین المنتخبين بواسطته.

لهذا السبب لطالما أكدّت المقاومة الإيرانية منذ 20 يونيو 1981 فصاعداً بأن حلول التغييرات السياسية الأساسية في البلاد لا تکمن بالعملیة الانتخابیة وصنادیق الاقتراع في ظل نظام ولایة الفقیه.

لدی الشعب الإيراني تجربة تاریخیة طویلة الأمد تبلغ 120عاماً في سبیل تحقيق الحرية والديمقراطية. ففي الثورة الدستورية لإيران ومنذ عام 1906 فصاعداً، طالب الشعب الإیراني والقوى التقدمية بإجراء انتخابات حرة ونزیهة قائمةً على التصويت وإتاحة الفرصة العادلة أمام كل إيراني للمشاركة في إدارة البلاد، بینما کان السلطان والشاه الدیکتاتور یسمیان أنفسهما بـ “ظلّ الله” خلال عهد القاجار والبهلوي، ویطلق خمیني وخامنئي لقب “ممثل الله” علی أنفسهما.

السيد مسعود رجوي الذي أطلق سراحه بتاریخ 20 ینایر 1979 مع الدفعة الأخيرة من السجناء السياسيين في عهد شاه إیران، ألقی كلمة بعد أربعة أيام من إطلاق سراحه في جامعة طهران التي كانت مركز التجمّعات السياسية والتقدمية. وكانت تصريحاته الأولى تتمحور حول الحرية، لأنه كان على دراية جيدة بفكر خميني والتیارات التابعة له في سجون الشاه، وكان یعلم یقیناً أنه في الفكر الکهنوتي والقروسطائي لخمیني والمنتمین له، الشيء الوحيد الذي یغتال ویجنی علیه هو “الحرية” لا غیر. لهذا السبب وعلى عكس خميني الذي دعا إلی “الجمهورية الإسلامية”، آمن مسعود رجوي بـ “الجمهورية الديمقراطية” القائمة على التصویت الحقيقي للشعب.

وفقاً لهذا الاعتقاد العميق بالحرية، تحمّل مجاهدو خلق خميني لنحو عامین ونصف عام. لكن خميني خان مطالب الشعب الإيراني بإنشاء حكومة ديمقراطية، وفرض حكم ولایة الفقیه عنوةً عليه خلافاً لکل الوعود التي قطعها في نوفل لوشاتو بباريس.

قام خميني الدجّال بإلغاء المجلس التأسيسي واستبدله بما یسمى مجلس خبراء القیادة الذي یتکوّن من 75 عضواً یؤمنون بولایة الفقیه ویلتزمون بها قلباً وقالباً، وقام بصياغة دستور یتصدّر فیه مبدأ ولایة الفقیه أهمّ القضایا الرئيسية. وهو المبدأ الذي لا یعترف بالانتخابات الشعبیة الحرة ویمنح الولي الفقیه حریة البتّ في کافة شؤون البلاد وقول کلمة الفصل باعتباره ممثل الله في الأرض. لذلك عارض مجاهدو خلق هذا الأمر بشدة معلنین رفضهم القاطع لإدلاء أصواتهم لصالح هکذا قانون.

من جهته حرمَ خميني مجاهدي خلق من حق الترشّح للرئاسة وهو حق لابدّ من أن یتمتّع به کل إيراني، وأصدر فتوى صريحة مفادها أنّ أولئك الذين لم يصوّتوا للدستور لن يكونوا مؤهلين للترشح للرئاسة، وبالتالي تمّ إقصاء مسعود رجوي من الانتخابات بصفته مرشحاً لجميع القوى التقدمية.

لذا أیاً كانت نتيجة مسرحیة الانتخابات التشریعیة التي أقیمت في 21 فبرایر من العام الجاري في إيران، فهي ستکون مرآة لذات الوتیرة والعملیة السیاسیة المعتمدة علی مدار 41 عاماً.

لقد حاول كل من خميني ومن بعده خامنئي بطريقتهما الخاصة أن یمحیا باستمرار أصل القضیة التي تواجههما. على سبيل المثال في انتخابات مجلس الشوری في دورتها الثالثة فاز أمثال كروبي من خلال إنشاء خمیني لمجموعة تسمى “رجال الدين المحاربون”، واستولت هذه الحركة الرجعية دفة الحکم بمساعدة منه.

أما في الدورة الرابعة عشیة موت خمیني، فأطاح خامنئي ورفسنجاني بما يسمى تیار “خط الإمام” واستبعداه من الانتخابات البرلمانية تعزیزاً لسیاستهما، وقضیا علی التیار الذي یترأسه کروبي باستخدام “الإشراف الاستصوابي” وعیّنا محله علي أكبر ناطق نوري رئيساً للمجلس.

وفي الدورة الخامسة للمجلس، قام خامنئي بهندسة الانتخابات وإعدادها مستبعداً معظم مؤيدي رفسنجاني.
هذا وقام خامنئي في المجلس التاسع باستبعاد رفسنجاني نفسه الذي لطالما كان شخصيةً حکومیة محوریة وذات تأثیر قوی في العملیة السیاسیة فهو من ولّی خامنئي منصب “القائد والولي الفقیه” بعد وفاة خميني دون أن يكون مؤهلاً لذلك.

أخذ العداء بین خامنئي ورفسنجاني یتصاعد وأصبح حاداً لدرجة أنّ خامنئي بنفسه خططّ لعملية إقصاء رفسنجاني منافسه الشرس لخمسة عقود من الزمن، وفي نهایة المطاف أزاله من طریقه إلی الأبد بالتخطیط لموته المریب في المسبح.

في المشهد السياسي الإيراني، لطالما لعب هذان التياران الرجعيان المؤمنان بمبدأ ولاية فقيه دوراً متوازياً؛ أحدهما التیار الأصولي یمثلّه خميني الدجال والآخر التیار الإصلاحي المزعوم القائم علی الحیل والدجل یمثّله روحاني. البراغماتية هي طريقة عملية مثّلها کل من رفسنجاني وخاتمي وروحاني لكنها لا تختلف عن نظیرتها في طبيعتها المناهضة للديمقراطية لأن التیارين كلاهما یسعیان إلى الحفاظ على سیادة ولایة الفقیه.

في المقابل طالب الشعب الإيراني بالإطاحة بنظام ولاية الفقيه الفاسد برمته من خلال الشعار الأساسي الذي أطلقه أثناء انتفاضة دیسمبر 2017 رفضاً لکلا التیارين وهو شعار «لا إصلاحي، لا أصولي، لقد انتهت اللعبة» الذي یعبّر عن التصويت الحقيقي للشعب وهو بمثابة استفتاء عام على مستوى البلاد لا یزال یتواصل حتی الیوم.

وفي انتفاضة نوفمبر 2019، عبّر الشعب الإیراني المنتفض في جميع أنحاء إيران مرة أخرى عن تصويته الحقيقي والمطالبة بإسقاط النظام. وفي انتفاضة ینایر 2020 هتف الطلاب باعتبارهم نخبة المجتمع بشعار: «لا نرید السيء ولا الأسوء، لا نرید الشاه ولا القائد (خامنئي)» معلنین عن رفضهم الصارم لجمیع التیارات والکتل السیاسیة الموالیة لخامنئي الدجّال سواء التیار الإصلاحي المزیّف أو التیار الأصولي المستبد، بالإضافة إلی رفضهم لمؤیدي دیکتاتوریة الشاه والحالمین بإحیائها من جدید.

يمكن أن نجد الحل والصوت الحقيقي للشعب، في كلمة السيدة مريم رجوي. حينما قالت بخصوص مسرحية الانتخابات المزيفة للنظام:
«إن النضال من أجل الحرية لم يتوقف ولو ليوم واحد على مدى السنوات الأربعين الفائتة، بل تبلور اليوم في انتفاضات الشعب. ونرى هذا النضال يتجلى باستمراره في انتفاضات مجيدة شهدتها إيران من يناير 2018 حتى نوفمبر2019 ويناير 2020 ويأبى التوقف…

وكما قال قائد المقاومة مسعود رجوي: ضوء المقاومة من أجل الحرية لا يقبل الانطفاء. كلما يكسرون الضوء، كلما تزيد أشعته بسبب الانكسار. الشعب الإيراني له الحق في أن يعيش حرًا. له الحق في أن يختار سيادته. وله الحق أن يتمتع بالعدالة الاجتماعية والتنمية الاجتماعية. نعم، الشعب الإيراني جدير بنيل الحرية والديمقراطية والمساواة.»

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button