لبنان

“حزب الله” بات مسؤولا عن الوضع الاقتصادي في لبنان

بينما تتجه الأنظار في لبنان إلى جملة العناوين الملحة التي على الحكومة اللبنانية الجديدة أن تتخذ قرارات عاجلة بشأنها، وإلى جلسة البرلمان المنعقدة الثلاثاء لمناقشة بيانها الوزاري الذي يُفترض أن تحصل على الثقة النيابية على أساسه، تترقب أوساط سياسية لبنانية وأخرى دبلوماسية موقف “حزب الله” من هذه القرارات.
ويعود ذلك إلى أن معظم الجهات الخارجية المعنية بالمتابعة الدقيقة للوضع اللبناني والتي رصدت تأليف حكومة حسان دياب تتصرف على أن لـ “حزب الله” اليد الطولى فيها، على الرغم من اعتقاد بعض الأوساط السياسية أن الحاجة إلى إرضاء الحراك الشعبي أثناء تشكيلها عبر المجيء ببعض الاختصاصيين لتولي حقائب فيها، أدى إلى تعيين بعض مَن هم أقل طواعية للحزب أو للقوى السياسية الحليفة له، مما كانت عليه الأمور في الحكومة السابقة. بل أن بعض الذين واكبوا التأليف يشيرون إلى أن أسماء بعض الوزراء ربما شكلت عنصر ارتياح لدى بعض الخارج وحتى عند الجانب الأميركي، لأن ارتباطاتهم ليست عدائية لمصالحه مثلما كان الحال مع وزراء سابقين، خصوصاً في وزارتَي الدفاع والخارجية. لكن هذا الانطباع عند بعض الأوساط غير كافٍ للتغطية على تعاطي بعض الدبلوماسيين الأجانب القائل بأن الحكومة في نهاية المطاف هي “حكومة اللون الواحد” و”حكومة 8 آذار” أو “حكومة حزب الله”.

الحزب والمسؤولية عن خيارات الحكومة

تُطرح قراءات عدة للسلوك المنتظر من “الحزب” حيال مهمات الحكومة. ويقول وزير سابق لـ”اندبندنت عربية” إنه “مهما قيل عن وجود وجوه تملك قدراً من الاستقلالية في الحكومة، فإن تسميتهم من قبل جهات سياسية تنتمي إلى قوى 8 آذار لن تنزع هذه الصفة عنها، لا سيما حين يتعلق الأمر بقرارات مفصلية، على القوى السياسية تغطيتها في مواجهة الحملة من قبل الحراك الشعبي عليها، ومن بعض الأطراف التي لن تمنحها الثقة، بأنها حكومة اللون الواحد. بالتالي لا يستطيع “حزب الله” إخفاء دوره الرئيسي في ولادتها حين تعقد ذلك”. وفي هذا السياق يعتبر مصدر دبلوماسي محايد أنه “على الرغم من أن الحزب تصرف بحكمة في الحؤول دون استئثار حليفه “التيار الوطني الحر” بالمقاعد المسيحية، ودون حصوله على الثلث المعطل في الحكومة، وفي ترجيح تسمية بعض الأشخاص الاختصاصيين الذين يتمتعون ببعض الاستقلالية، فإن الحزب سيكون مضطراً إلى اعتماد خيارات صعبة عليه وعلى جمهوره، في إطار الإنقاذ الاقتصادي والمالي، سواء كانت موجعة مثل فرض ضرائب ورسوم وتقليص كلفة القطاع العام، أو الاضطرار إلى اللجوء إلى وصفة صندوق النقد الدولي من أجل التصحيح المالي”.

وكان لافتاً في هذا السياق أن الاجتماع الذي عُقد في مكتب وزير المال غازي وزني الأسبوع الماضي للتشاور حول بعض التدابير المالية، ومنها طريقة التعاطي مع استحقاق تسديد الدولة اللبنانية سندات “يورو بوند” مطلع مارس (آذار) المقبل بقيمة مليار و200 مليون دولار، حضره إلى وزير المال السابق علي حسن خليل، رئيس مركز الاستشارات والتوثيق عبد الحليم فضل الله الذي يلعب دوراً في تشكيل وجهة نظر “حزب الله” في القضايا الاقتصادية والمالية. (وهو خبير اقتصادي طُرح اسمه كمرشح ليكون وزيراً ممثِلاً للحزب في الحكومة قبل تأليفها).
 
ارتباك بين حلول الأزمة ومواجهة العقوبات
وفي قراءة الدبلوماسي المحايد الذي يلتقي مسؤولين في “حزب الله” بين الفينة والأخرى، أن قيادته قد تعطي هامشاً للحكومة كي تأخذ قرارات معينة، لكنه في النهاية عليه أن ينغمس أكثر في ترجيح هذا الخيار أو ذاك. وبينما ترى أوساط سياسية على خصومة مع “الحزب” أن سلوكه يشوبه الارتباك في تحمل مسؤولية قرارات الحكومة، يلاحظ الدبلوماسي ذاته أن الحزب يشن حملة استباقية على المصارف محملاً إياها مسؤولية التراجع المالي للبلد. وهي حملة مرتبطة بالعقوبات التي تفرضها واشنطن عليه وتلتزم المصارف والمصرف المركزي بتنفيذها. أي أنه يدمج بين إلحاح معالجات الوضع المالي ونقص السيولة واستحقاقات الدولة على الدائنين، وبين المعارك المستقبلية التي عليه خوضها بمواجهة مزيد من العقوبات المنتظرة. وقد لا يساعده ذلك على ترجيح هذه الوجهة أو تلك بشأن استحقاق دفع أو عدم دفع لبنان لاستحقاق الـ”يورو بوند” في مارس المقبل.

وقبل أيام قال رئيس كتلة نواب “الحزب” في البرلمان محمد رعد، “نحن جاهزون للتعاون مع هذه الحكومة إلى أبعد حد”، لأنه لا يريد تحميله مسؤوليتها وحده. كما تناول النائب عن “الحزب” حسن فضل الله مسألة تسديد استحقاق مارس المقبل أو عدمه، مؤكداً “أننا لا نريد أن نحمّل المسؤوليات والتبعات لمن اتخذ القرار في السابق (الاقتراض)، فهذا له وقته، لكننا نتحدث عن هذه اللحظة، فهناك مَن ينفض يده من هذه المسؤولية، ومثل هذه القرارات الأساسية والحساسة تحدد مسارات الحل في المستقبل أو تحدد مسارات تعقد الأزمة، وتحتاج إلى ما يشبه الإجماع، وإلى توافق وطني، وفي قضايا كهذه لا يستطيع أحد أن يدير ظهره”. وهذا يعني أنه يريد شراكة القوى المعارضة التي ستحجب الثقة عن الحكومة. (“المستقبل”، “الحزب التقدمي الاشتراكي”، حزب “القوات اللبنانية”، وحزب “الكتائب اللبنانية”). لكن في الوقت ذاته لا يمكن لـ”الحزب” الهروب من المسؤولية عن أي وجهة قد تسلكها الحكومة، وسط الجدل الحاصل في صفوف القوى السياسية بين مَن يدعو إلى إعادة هيكلة الدين والتخلف عن الدفع، وبين مَن يدعو إلى إيفاء لبنان بالتزاماته في مارس، على أن يفاوض لاحقاً على إعادة هيكلة الديون خلال ما تبقى من عام 2020.

خسر سليماني… وعليه الالتفات إلى الداخل

وفي تقييم مصدر دبلوماسي أوروبي لوضعية الحزب بالعلاقة مع ما يتوجب على لبنان فعله حيال أزمته الخانقة، يقول لـ”اندبندنت عربية”، إن “الحزب بعد اغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، بات أمام حسابات مختلفة”. ويشير المصدر ذاته الذي يحاور قيادة الحزب أحياناً بشأن أوضاع لبنان والمنطقة، إلى أنه “في وقت تردد أن الأمين العام حسن نصر الله سيحل مكان سليماني في قيادة مشروع إيران في المنطقة، فإن قادة الحزب ينفون أن تكون هناك نية لمثل ذلك. ويضيف “غياب سليماني سيفتح مجالاً لوجود وجهتي نظر في إيران (ولا بد أن يؤثر ذلك في سلوك “حزب الله”). واحدة تقول إذا فاوضنا مع الغرب سيكون ذلك مقدمةً لإضعافنا، والثانية تعتبر أنه لا بد من التفاوض لرفع الضغوط. وفي كل الأحوال فإن الحزب كان يتمتع بداعم رئيسي في طهران هو سليماني الذي كان يلبي كل طلباته. وهو بهذا المعنى خسر حليفاً كبيراً في صلب القرار الإيراني، من دون أن يغير ذلك شيئاً في موازين القوى لأن طهران ستظل تعتبر الحزب حليفاً كبيراً لها في المواجهة التي تخوضها مع الولايات المتحدة”.
ويعتبر المصدر الدبلوماسي الأوروبي أنه “على الرغم من ذلك فإن الصراع بين طهران وواشنطن يخضع لتدوير الزوايا لأن كلتيهما لا تريد حرباً مدمرة. لكن هذا لا يلغي أنه مع وحدة الموقف الإيراني الذي تجلى في تشييع سليماني، هناك خط راديكالي تعرض لضربة قوية، وما زال الوضع الإيراني يخضع لضغوط، إذ عادت التحركات الاحتجاجية من قبل الشباب الإيراني بعدها إلى الشارع. ويمكن الاستنتاج تبعاً لذلك أن المراوحة بين التصعيد والتهدئة التي اتسمت بها مرحلة ما بعد سليماني ستفرض على “حزب الله” أن يلتفت أكثر إلى تحصين أوضاعه لبنانياً عبر الحؤول دون الانهيار الكامل في البلد، وأمامه مهمات حرجة، واتخاذ قرارات حاسمة، يتوقف عليها الدعم الخارجي الذي من دونه يصعب على لبنان معالجة أزمته”.

“لننتظر ونرى”

وفي وقت لا يبدو أن الحزب سيتراجع عن حملاته على الدول العربية الخليجية التي عانت من تدخله في شؤونها لمصلحة المشروع الإيراني في المنطقة، فيلتزم فعلاً ببيان الحكومة حول النأي بالنفس عن صراعات المنطقة، يقول الدبلوماسي المحايد إن “علينا أن ننتظر ونرى إذا كان الهامش الذي يؤمَل أن تأخذه الحكومة من أجل تحقيق الإصلاحات التي تنتظرها الدول الغربية والهيئات الدولية كي تقبل بتقديم المساعدة المالية”. ويكرر الدبلوماسي المحايد التأكيد أنه “إذا أرسلت الحكومة إشارات بأنها امتداد لسياسة “حزب الله”، سيثبت الرأي القائل في البيت الأبيض بأن الحزب يسيطر عليها ولا فرق بينه وبين الحكومة ويتغلب على أصحاب وجهة نظر البنتاغون والخارجية بتشجيع الحكومة والمؤسسات والجيش على التمايز عنه”.

اندبندنت العربية

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button