لبنان

شروط الصين على لبنان: النأي بالنفس والسلاح للدولة حصراً

بعد قرابة الشهر على اندلاع الإنتفاضة اللبنانية. خرج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، معتبراً أن ما يجري تقف خلفه أيادٍ خارجية، ملمحاً إلى الدور الأميركي المترافق مع عقوبات اقتصادية وحصار خانق غير معلن، يتعرض له لبنان. ودعا إلى التوجه نحو الصين، لإنقاذه من أزمته المالية والاقتصادية!

يوحي حزب الله، كما إيران من خلفه، دوماً أن الصين هي حليفتهم. ويضعونها في عداد محور الممانعة. ولكن القراءة السياسية والموضوعية للموقف الصيني، تظهر أنها متفلتة من سياسة المحاور، وصاحبة دور أكبر من ذلك، تدلّ عليه مشاريعها. وآخرها، توقيع اتفاق التجارة العالمي مع الولايات المتحدة الأميركية.

حزام وطريق
لا يمكن وضع الصين في عداد الحليفة لإيران. منذ العام 1986 إلى الآن لم تتدخل سياسياً ولاعسكرياً في اي دولة. فكرتها تقوم على ان المنفعة هي الدافع للعلاقات مع الشعوب والدول. وتنطلق في مشروعها تحت عنوان مبادرة “حزام وطريق”. وهو عبارة عن شبكة للمواصلات الدولية، وشبكة سكك حديد، ومدن صناعية، بالإضافة إلى انابيب النفط والغاز. تسعى لربط العالم ببعضه البعض. لا تدخل الصين إلى دول أو ساحات ينعدم فيها الاستقرار. وهي بالتأكيد لا تدخل إلى دول الشرق الأوسط التي يسودها التوتر والذي يتعارض مع الاستثمار الاقتصادي. يتناقض المشروع الصيني مع المشاريع الإقليمية، وخصوصاً المشروع الإيراني الذي يقوم على توتير الوضع في منطقة الشرق الأوسط، ضمن صراع النفوذ.

التنازع الدولي بين أميركا وروسيا، وأميركا والصين لا يعني أن هناك عداوة، بل سعي كل طرف لحماية مصالحه ووتوسيع نفوذه. بهذا المعنى، تدرج الصين لبنانَ على جدول أولوياتها في المشاريع والاستثمارات، المشروطة بإنهاء النزاعات السياسية، وانتفاء التوتر. وهي عرضت سابقاً خططاً استثمارية عديدة، كخط لسكك الحديد، ومشاريع في الكهرباء والاتصالات والطاقة المتجددة، وتوسيع المطار، وتشييد البنى التحتية الجديدة، وحفر الأنفاق، وبناء منطقتين اقتصاديتين خالصتين في البقاع وفي طرابلس. لكن تنفيذ هذه المشاريع يتطلب توافر عناصر الاستقرار السياسي، خصوصاً أن الصين لا يمكنها أن تكون مع أي جماعات ترتكز على العنف المسلح، وتتسبب بالشروخ الاجتماعية والطائفية.

إيران تقطع الطريق
المشروع الصيني المشروط بالاستقرار يتعارض مع المشاريع الإيرانية والتركية والإسرائيلية، القائمة على عدم الاستقرار. بل والتضارب بين هذه المشاريع لا يؤسس إلى تحالف وتفاهم، وينحصر في مصالح مشتركة موضوعياً، ترعاها هذه الأطراف فيما بينها. ومن يطّلع على المشاريع الصينية، يكتشف أنها تتعارض كثيراً مع المشروع الإيراني، على الرغم من أن إيران تحتل نقطة استراتيجية في مبادرة “حزام وطريق”، التي يجب أن تعبر أراضيها من الصين باتجاه كازاخستان نحو الخليج، إلى جانب خط آخر من كازاخستان إلى تركيا. خصوصاً أن الصين تركز على الاستثمار في إحدى الجزر الكويتية التي تمثل نقطة تلاق بين الكويت والعراق وإيران. تبلغ قيمة هذا الاستثمار حوالى 400 مليار دولار، وهو يؤسس لتحالف صيني خليجي، لا تريده طهران، لأنها تريد لهذا الخط أن يمر عبر أراضيها نحو العراق ولا يمر في دول الخليج.

إذاً، هذا المشروع يتعارض مع المشروع الإيراني. إذ تريد طهران الحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط، من خلال الاستثمار بانعدام الأمن والاستقرار. وأيضاً تهدف إلى قطع الطريق على أي تحالف صيني خليجي. أيضاً، يعتبر الصينيون أن مشاريع وأنشطة تركيا تتعارض مع مشروعهم، لأنها تريد أن تبقى صاحبة نفوذ. وهنا تكمن خلفيات وحوافز تركيا في إعلاء الصوت بشأن مسلمي الإيغور الصينيين، لزرع الشرخ بين المسلمين السنّة والصين. أما الولايات المتحدة الاميركية، فهي تضغط لتعديل هذا المشروع، خصوصاً أن جزءاً من الخطة يلحظ لبنان كصاحب دور أساسي في المشروع، وما يرتبط بخطوط النفط والغاز. بينما الأميركي يريد تحويل الخط باتجاه اسرائيل، بموجب صفقة القرن التي تم الاعلان عنها. كما ان واشنطن لا تريد للصين أن تتسيد وحدها هذا المشروع، بل تريد ان تكون شريكة أساسية فيه، وهي لا تريد للخليجيين أن يذهبوا إلى تحالف عميق مع الصين.

اختلاق العداء
لذلك، تركز إيران في مشروعها على أنها الحليفة الوحيدة والموثوقة للصين، وتشيع أنها مدعومة دوماً من الصين، وذلك أيضاً لمنع بناء تحالف صيني خليجي، وجعل الخليجيين في موقع الخصومة مع الصين. وهذا دور أساسي يقوم به حلفاء إيران من خلال إشاعة مقولة أنهم على تفهم وتحالف مع الصين وأنها تدعمهم، بغية نفور خصومهم، وخصوصاً السنّة، من الصين. الغاية الإيرانية من التركيز على الدعم الصيني لها، تنطلق من تكريس جو سني عدائي تجاه الصين، وتركز إيران أيضاً على ان مشروع حزام وطريق ينحصر فيها، في محاولة لقطع الطريق على اي اتفاق عربي صيني.

يعمل حزب الله على تسويق فكرة أن الحلف الروسي الصيني الإيراني متماسك، وأن الصين تقف معهم، وهي مستعدة لخوض الحروب العالمية في سبيلهم. وذلك بهدف قطع الطريق على أي علاقة بين العرب والسنة مع الصين. يرتكزون في ذلك على عدم وجود أي مصلحة صينية في إعلان الخلاف مع طهران، لأن لديها مصالح معها، ولأنها لا تريد الدخول في خصومة لا مع الإيرانيين ولا مع العرب.

الردّ الأبرز على كلام نصر الله حول اللجوء إلى الصين، جاء على لسان أحد المسؤولين الصينيين، الذي قال إن بلاده لا تدخل إلى ساحات متوترة، ولا تتبنى سياسة الأحلاف والخصومة مع أي جهة. سياسة الصين تدعم سيادة لبنان واستقلاله والسيادة العسكرية للمؤسسات الرسمية، وتشدد على سياسة النأي بالنفس، وابتعاد لبنان عن صراعات المنطقة، وفق ما قاله السفير الصيني في بيروت قبل أيام.

منير الربيع – المدن

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button