الانهيار المالي في لبنان يتسارع مع غياب الحل السياسي
لا يزال القلق مسيطراً على الأسواق المالية اللبنانية، في ظل استمرار غياب أي أفق لحل سياسي، يفتح الباب أمام سلوك البلاد طريق الخروج من نفق الانهيار المالي والاقتصادي، الذي بدأت خطواته تتسارع أكثر مع المراوحة المستحكمة بالمشهد السياسي في البلاد.
ومع غموض الأفق المتصل بملف تشكيل الحكومة، في ظل العقد التي تواجه الرئيس المكلف حسان دياب، والتشنج الذي يحكم المواقف السياسية من هذا الملف، تحركت لجنة المال والموازنة النيابية على خطين:
الأول يتصل بإنجاز مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2020، والثاني يتعلق بالموضوع الشائك الذي يشغل الأوساط المحلية بشأن خروج ودائع من المصارف اللبنانية إلى المصارف السويسرية، قدّرها النائب في “حزب الله” حسن فضل الله بـ11 مليار دولار. ولهذه الغاية، استدعت إلى الاجتماع كل من وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل وحاكم المصرف المركزي رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، خُصص للبحث في الإجراءات الممكن اتخاذها من أجل البقاء ضمن سقف العجز المتوقع، وضمان ودائع صغار المودعين في المصارف، فضلاً عن تخفيف بعض الأعباء عن المكلفين. في ما يتعلق بمشروع الموازنة، شكّلت الأرقام التي قدمها خليل ناقوس خطر، نظراً إلى التوقعات الكارثية للإيرادات للسنة المقبلة، والمستندة إلى ما تحقّق في الأشهر العشرة الأولى من السنة الحالية.
وقد أثرت هذه الأرقام في نسبة العجز التي سبق أن أعلنت الحكومة المستقيلة أنها ستكون في حدود صفر في المئة للسنة المقبلة، معوّلةً على مساهمة من المصارف والمصرفي المركزي باكتتاب بما يقارب الـ5 آلاف مليار ليرة، أي ما يعادل 3,5 مليارات دولار (وفق السعر الرسمي للدولار).
فالعجز المتوقع بنهاية 2019 وفق موازنة السنة الحالية يبلغ 7,6 في المئة، إلاّ أنّ العجز المحقق بلغ 9 في المئة.
ضمان الودائع
وفي حين قدر مشروع موازنة 2020 العجز بصفر في المئة، أعادت لجنة المال والموازنة تعديل هذه النسبة، بعدما تبين أن العجز سيبلغ 6,800 آلاف مليار ليرة أي ما يعادل 4,5 مليار دولار، نظراً إلى تراجع مخيف في الإيرادات المتوقعة. فوفق الأرقام المرفوعة من وزير المال، يتبين أن التوقعات للإيرادات خُفضت من 20,9 ألف مليار ليرة (14 مليار دولار) إلى 14 ألف مليار ليرة (9,3 مليار دولار)، بتراجع يبلغ 6,8 آلاف مليار دولار أو ما يعادل 4,5 مليار دولار.
ووفق المعلومات المتوفرة من اجتماع لجنة المال والموازنة مع الحاكم ووزير المال، أنه تم التوافق على أن يشطب المصرف المركزي ما قيمته 4 آلاف مليار ليرة من أصل حجم العجز أو ما يعادل 2,6 مليار دولار ليتراجع حجم العجز إلى 1,33 مليار دولار. والمبلغ هو عبارة عن فوائد مستحقة على الخزينة، سيتحمل خسارتها المركزي ضمن بند الخسائر، علماً أن هذه العملية لا تعدو كونها دفترية.
أما على صعيد ضمان الودائع، فقد تقرر إدراج مادة قانونية في متن مشروع الموازنة يرفع قيمة الضمانة على الودائع من نحو 3500 دولار إلى 50 ألف دولار. وقد شُكلت لجنة من أجل متابعة الصياغة القانونية لهذه المادة، على أن تصدر في قانون الموازنة بعد إبرامه في الهيئة العامة للمجلس النيابي.
المصارف: الأزمة لن تستمر
على المقلب المصرفي، وفي حين كان رئيس جمعية المصارف يطمئن إلى أن الأزمة لدى المصارف لن تستمر طويلاً، داعياً المودعين إلى التحلي بالصبر، كان الدولار الأميركي في سوق الصرافين يتابع مساره التصاعدي، خصوصاً بعد الكلام الذي أفصح عنه سلامة عن سعر الدولار في السوق الموازية، وما أثاره من لغط والتباس في أوساط المتعاملين، دفع مكتب سلامة إلى إصدار توضيح، يؤكد فيه أن كلامه لا يعني تغييراً في سعر الصرف الرسمي لليرة والمحدد عند 1507 ليرة وإنما جاء رداً على سؤال عن سعر الصرف عند الصرافين، مشدّداً على أن سياسة مصرف لبنان ما زالت قائمة على استقرار سعر الصرف بالتعامل مع المصارف.
ورأت مصادر مصرفية أن الحاكم كان يقول الحقيقة عندما كشف عن أنه لا يعرف ما سيكون عليه سعر الدولار لدى الصرافين، باعتبار أن هذا السعر رهن حركة العرض والطلب، والطلب إلى ارتفاع في ظل المخاوف السائدة في أوساط المتعاملين من تفاقم مرتقب في الأزمة.
وفي حين رأت المصادر في خطوة المصرف المركزي شطب فوائد مستحقة على الدولة توجّهاً نحو خفض كلفة خدمة الدين في إطار منحىً لخفض معدلات الفوائد المعمول بها على التسليفات، قالت إن هذه الخطوات مهمة، ولكنها لم تعد كافية لمواجهة الانحدار المتسارع في المالية العامة، كما في الوضعَيْن المالي والمصرفي، كاشفة عن ضغوط ستتعرض لها المصارف من مودعين لبنانيين يعملون في الخارج، أودعوا أموالهم في لبنان، وباتوا اليوم عاجزين عن تحريكها، إضافة إلى ضغوط من المصارف المراسلة ومن المصارف حيث جرى تحويل ودائع يجري التحقيق في شأن “نظافتها” ومصادرها.
اندبندنت العربية