ثلاثة مصارف نحو التعثر: هل يتهاوى النظام المصرفي اللبناني؟
خضر حسان – المدن
تركت الدول الكبرى لبنان لمواجهة مصيره بعد رفض ساسته إجراء إصلاحات تُجنّب البلاد الانهيار. ظنّ الساسة أنهم أقوى من الانهيار. فدرجة التماهي مع صورة الزعامة الإلهية التي فرضوها على أتباعهم ورضي بها الأتباع، جعلت الساسة يصدقون أن الوَهم يحميهم، فغفلوا عن حقيقة أن الاقتصاد لا وَهم فيه، والمال إما يتوافر أو لا يكون.
أبعد من السلبية
تجاوزت وكالات التصنيف الائتماني (فيتش- ستاندرد أند بورز- موديز) النظرة السلبية للاقتصاد اللبناني ولوضع القطاع المصرفي. بدأت الوكالات تتحدث عن سيناريوهات أسوأ مع تفاقم الأوضاع سوءاً. وهذا ما دعا وكالة ستاندرد اند بورز S&P، إلى خفض تصنيفاتها الائتمانية طويلة الأمد لثلاثة مصارف لبنانية، هي: “بنك عودة” و”بلوم بنك” و”بنك ميد” من “CCC” إلى “SD”. وترى الوكالة أن خلاصتها أتت نتيجة معطيات كثيرة، منها “عدم قدرة الأفراد على الوصول إلى ودائعهم المصرفية في الوقت المحدد وإلى قيمتها الكاملة، توافقاً مع الشروط التعاقدية (بين المصارف والأفراد)”. كما أخذت الوكالة بعين الاعتبار “القيود التي تحول دون قدرة الأفراد على تحويل الأموال إلى الخارج”. وتعتقد الوكالة أن “بعضاً من هذه الاجراءات يمكن تشديدها في المستقبل، حيث يبدو أن السيولة في لبنان تتناقص، مما يتسبب في احتمال تعرض البنوك لضغط متزايد على المدى القريب”.
قراءة التصنيف الجديد
التصنيف الذي يسبق مرحلة السقوط المتمثلة بالمستوى D، يعني أن المصارف “لديها بعض المستحقات التي تعجز عن تسديدها، وهذا يسبق مرحلة الانهيار”، على حد توصيف الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي.
التصنيف بحد ذاته لا يعني الفشل المحتوم فيما لو كانت الظروف المؤاتية مساعِدة على النهوض، ولو أن الفشل لم يكن نتيجة فساد، وإنما نتيجة عمليات مصرفية طبيعية. وهنا، يشير يشوعي في حديث لـ”المدن” غلى أنه “من الممكن أن تقوم بعض المصارف بعمليات مصرفية خاسرة، وتواجه بالتالي أزمة سيولة نسبية، لكن في المقابل، تكون المصارف المركزية جاهزة لمد المصارف الخاسرة بالسيولة، عن طريق الاحتياطات التي تملكها. لكن في وضعنا الحالي، هناك أزمة سيولة لدى مصرف لبنان، فإذا خسر أي مصرف، لا يمكن للمركزي انقاذه، بل يُترَك لمصيره”.
وما يُعقّد الوضع، هو أن فشل المصارف اللبنانية جاء نتيجة “وضع النظام المصرفي المجرم، يده على مليارات الدولارات العائدة للناس، واستعمَلَها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على هواه، ففرَّط بالأموال. أما المصارف فقد أودعت في المركزي 70 مليار دولار، جمَّدها الحاكم بفائدة 16 بالمئة، وألزَم المصارف على الاستدانة بفائدة 20 بالمئة لزيادة سيولتها”.
أسباب السقوط متوفرة
مخطىء من يعتقد أن عجلة التاريخ يمكن إيقافها أو إعادتها إلى الوراء. فالنجاح مرتبط بمدى قدرتنا كأفراد أو مؤسسات أو دول، على العمل الصحيح والمُنتِج ضمن فترة زمنية محددة، لأن الوقت لا ينتظر. وهذا ما لم تقتنع به الطبقة السياسية اللبنانية وشريكتها طبقة المصرفيين.
ومع التخبط الذي تعيشه البلاد ومعها القطاع المصرفي، لا يبدو أن الأمل بالتغيير موجود.
وعلى الأقل، هذا ما تراه وكالة S&P التي تتوقع “استمرار الظروف الاقتصادية في التوتر خلال السنوات المقبلة”، ولا تتوقع الوكالة “استئناف تدفقات الودائع إلى الداخل”. وموقف الوكالة ينطلق من كَون المخاطر التي تواجهها المصارف “تفاقمت بسبب عدم القدرة التنظيمية على منع تراكم الاختلالات في ميزانيات البنوك في الماضي، سواء من ناحية التمويل أو الأصول، على الرغم من أن عمليات الهندسة المالية الأخيرة التي قام بها البنك المركزي قد عززت ربحية البنوك”.
وكالة S&P لا تثق بالطبقة السياسية اللبنانية، وكانت تتوقع باستمرار تزايد الإجراءات السلبية اقتصادياً ومالياً، وحصل ذلك فعلاً. وعلى أرض الواقع، يغيب مخلّص المصارف، أي المصرف المركزي. والمصارف لا تستطيع الإتيان بالدولار من فروعها في الخارج، لأن ذلك الدولار هو أموال المودعين في الخارج، والذين لا يرضون التفريط بأموالهم لإنقاذ من فرَّط بأمواله دعماً للفساد.
لذلك، لا مجال لعودة النظام المصرفي في لبنان إلى سابق عهده. فالعهد سقط وطُوِيَت صفحة الاستخفاف بالناس الذين خرجوا إلى الشوارع. وفي أحسن الأحوال، إن لم يشهد القطاع المصرفي انهيارات لبعض المصارف في المستقبل القريب، فإن عليه لا محال، البحث عن سياسات جديدة لإدارة الأموال والتعامل مع المودعين.