لبنان

تصدّع التيار الباسيلي.. و”الديكتاتور الصغير” يعبث بالبيت العوني

سُربت معلومات يوم الإثنين أن رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، سيدلي بحديث تلفزيوني ليلاً. سريعاً صار الحديث الموعود شغل البلاد الشاغل، ليتبين أن لا نيّة لديه ليتحدث مع اللبنانيين، أو بالأحرى، والأرجح أنه حاول جس نبض الناس، فرأى أن ما سيقوله مهما كان، لن يكون مرحباً به لدى فئات واسعة من اللبنانيين. هو الخوف إذاً، رُهاب 17 تشرين أصبح واقعاً.

هرج ومرج
منذ بدء الثورة، والحديث لا ينقطع عن مشاكل وخلافات داخل التيار الوطني الحر أولاً، والعائلة الحاكمة ثانياً. خلافات بطلها وسببها الأول، جبران باسيل، الصهر الذي تحوّل من مدلل إلى حاكم بأمره. يُسأل أحد نواب التكتل، والذي يُعتبر من الصقور، في جلسة مغلقة عن الجو العام داخل التكتل، وكيف تسير الأمور، فيجيب بالحرف: “نحن لا نُناقش ولا نعطي رأينا، نحن فقط نطلع على ما يُقرره باسيل والكل يوافق من دون اعتراض”.

في اجتماع التكتل الأخير، وحسب ما نُقل عن أحد الحاضرين، يبدأ النائب طلال إرسلان بالحديث، فيقول إنه خلف جبران حتى الرمق الأخير. مثله كُثر. يأخذ الكلام النائب ابراهيم كنعان وبجرأة لم يعتد عليها مع جبران، يتوجه إليه بالقول: أعتقد أنه من المناسب الآن أن تتنحى جانباً لفترة من الزمن (سنة أو اثنتين). يؤيده في الطرح كُل من زياد أسود وآلان عون، وسيمون أبي رميا. لحظات ويسود هرج ومرج في الاجتماع حين تصدى البقية لكلام كنعان. طبعاً، لكل منهم مصالح الخاصة. لاحقاً، عاد كنعان إلى بيت الطاعة الباسيلي وأدى أوراق اعتماده فيما جرى في جل الديب.

الرشاوى والصفقات
أجواء التكتل تعكس واقع الحال في كل ما يتعلّق بالتيار الوطني الحرّ. هم قبل فترة قرروا أن يبادروا إلى فتح الملفات القضائية المتعلقة بالفساد، كمحاولة لتنفيس غضب الناس، والإيحاء بأنهم ما زالوا يحملون شعار الإصلاح. ما هي إلا ساعات حتى خفت الحديث ولُملم الملف سريعاً. لماذا؟ يقول أحد المطلعين الذين كانوا وراء هذه المحاولة: اكتشفنا أن الرشاوى والصفقات تطالنا بشكل مباشر. كان لا بُد من إقفال الملف سريعاً، قبل أن يطيح بأسماء محسوبة علينا، وعلى علاقة لصيقة بجبران وغيره ممن هم في التيار.

هذه المحاولات لكسب الرأي العام، تحولت مع الوقت ومع استمرار المظاهر الاحتجاجية، إلى البيت الداخلي، فكان التوجه إلى محاولة ترميم ما تصدع، لكن كما يقول أحد المطلعين: الخطة رسمها باسيل لتكون استكمالاً لسياسته الممتدة منذ سنوات، أي تقوية الموالين له على حساب الآخرين. وهو ما زاد من الشرخ الحاصل داخل الصف الثاني. وهو الأمر الذي نقله أحد القياديين في التيار إلى ميشال عون، إلا أن الأخير رفض أن يُصدّق أن هناك من يعترض.

ميزان العائلة
الشرخ هذا يمتد إلى أبعد من الصف الثاني. إذ وفي اجتماع حصل الأسبوع المنصرم جمع قيادات مركزية وأكثر من عشرين منسقاً من مناطق مختلفة، نقل خلاله هؤلاء امتعاض الناس من تصرفات باسيل ومن طريقة إدارته للأمور. لكن وحسب أحد الحاضرين، لم يحصل المنسقون على جواب شاف، فذكّروهم بما قاله ميشال عون مرة عن الهرمية الحزبية وأن “رأس الهرم يتحمل المسؤوليات ويُحاسب إذا فشل”. سائلين: “أين هو الرأس اليوم من هذه المسؤوليات؟ وأين هي المحاسبة؟”.

ثم، كُل هذا في ميزان والعائلة الضيقة في ميزان آخر. نجح باسيل في خرقها على الصعد كافة، وهذا ليس بجديد. هذا الخرق تحوّل إلى عداء لم يعد خافياً على أحد. سيطرة باسيل على عمّه أوصلت إلى حد مقاطعة الأب لبناته. تحديداً كلودين وميراي. الأولى مع زوجها شامل روكز في معركة مفتوحة مع جبران يبدو من المستحيل الرجوع عنها، معركة جعلتها تبتعد عن “قصر العائلة” كثيراً. فيما الثانية، أي ميراي، فهي انسحبت بادئ الأمر ثُم عادت لتحاول أن تُقنع والدها بضرورة تغيير سياسته سريعاً.

تخبط وصراعات
في هذا السياق، يروي أحد المطلعين على ما يحصل داخل القصر، أن ميراي وجان عزيز كانوا وراء الخطاب الذي ألقاه عون في ذكرى ثلاث سنوات على توليه الرئاسة. والذي نسبياً كان مُتزناً ولقي أصداء إيجابية، جعلت من عون، ودائما كما يقول من كان يُتابع الأمور عن قرب، يُعبر عن رضاه بل توجه لميراي بالقول: “أريد أن أعيد إلى جانبي من يُحبونني”. فكان الرد من جبران في المقابلة الأخيرة، حين تقصد أن يُسرب الصورة التي تُظهره في كادر المقابلة التي أجريت مع عمّه، والتي جعلت الناس يقطعون طريق الشام ويتظاهرون في بعبدا في سابقة من نوعها.

في المحصلة، هذا هو واقع حال التيار العوني – الباسيلي بعد 17 تشرين. تخبط وصراعات ومناكفات بطلها وزير الخارجية “المخلوع”، الذي يتصرف مع تياره كديكتاتور صغير، ومع اللبنانيين بالكثير من الاستهزاء. رئيس تيار خسر حلم الرئاسة ولم يعد لديه ما يخسره أكثر، فقرر أن يجرف ما تبقى من تياره، ولا مانع لديه من أن يجرف البلاد تلبية لطموحاته الصغيرة. الصغيرة جداً، مقارنة مع حجم ما يحدث في الشارع، الذي خرج من قوقعة أحزاب صارت أمام حالة وطنية على ما يبدو من المستحيل أن تجاريها.

المصدر : ايمن شروف – المدن

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button