لبنان

لبنان… تيار رئيس الجمهورية و”حزب الله” ينقلبان على التسوية السياسية

طوني بولس – اندبندنت

“وكأن اللعبة في لبنان وصلت إلى خواتيمها وكل فريق بات يلعب أوراقه الأخيرة”. هكذا، علق مصدر بارز على كلمة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في ذكرى دخول القوات السورية إلى قصر الرئاسة اللبنانية وإزاحة العماد ميشال عون في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 1990، حيث قال “إنني أريد أن أذهب إلى سوريا لكي يعود الشعب السوري إلى سوريا كما عاد جيشها، ولأني أريد للبنان أن يتنفّس بسيادته واقتصاده”.

إعلان باسيل عن زيارة مرتقبة إلى سوريا أضيف إلى موقفه في اجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي أعلن فيه أنه “حان الوقت لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية”. ما طرح تساؤلات كبيرة عن تفرد فريق سياسي بالسياسة الخارجية للدولة اللبنانية في وقت تصر الحكومة في مختلف بياناتها الرسمية على سياسة النأي بالنفس.

رد الحريري

بعد مواقف باسيل النارية صدر رد هادئ عن رئيس الحكومة سعد الحريري جاء فيه “للتذكير فقط… دم الرئيس رفيق الحريري أعاد الجيش السوري إلى سوريا. إذا أراد رئيس التيار الوطني الحر زيارة سوريا لمناقشة إعادة النازحين السوريين فهذا شأنه… المهم النتيجة، فلا يجعل النظام السوري من الزيارة سبباً لعودته إلى لبنان، لأننا لا نثق بنيّات النظام من عودة النازحين … وإذا تحققت العودة فسنكون أول المرحبين”.

وأضاف بيان الحريري “البلد لا تنقصه سجالات جديدة، والهمّ الأساسي عندي اليوم كيف نوقف الأزمة الاقتصادية. وإذا لم يحصل ذلك، ستنقلب الطاولة وحدها على رؤوس الجميع”.

أمر عمليات إيراني؟

مصادر وزارية اعتبرت أن تصعيد باسيل أتى بعدما عاد خائباً من جولته الأميركية، حيث لم يستطع أن يلتقي أي مسؤول أميركي، إضافة إلى الأجواء السلبية التي قد تكون وصلته حول جدية توسيع العقوبات الأميركية باتجاه حلفاء حزب الله، التي تردد أنها قد تطاله شخصياً. ما دفعه إلى رمي أوراقه كاملة في أحضان المحور الإيراني.

وتشير هذه المصادر إلى أن اللقاء المطّول الذي جمعه مع الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، الذي أعطاه، وفق المصادر، الضوء الأخضر والغطاء السياسي، سمح له بالتهديد بقلب الطاولة بقوله متوجهاً إلى الرئيس عون “في الوقت الذي تشعر أنّك لم تعد تستطيع أن تتحمّل، نطلب منك أن تضرب على الطاولة ونحن مستعدون لقلب الطاولة”.

ووضعت المصادر تجاوز القرار الحكومي في الموقفين اللذين اتخذهما لناحية تطبيع العلاقات مع النظام السوري أو إثارة موضوع وقف تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، في إطار الانقلاب الواضح على التوازنات الداخلية بقرار إيراني اتخذ في الاجتماع الأخير بين باسيل ونصرالله، مشيرة إلى أن الجزء الثاني من الانقلاب سيأخذه حزب الله على عاتقه لمواجهة ما يعتبره تماهي السياسات المصرفية مع العقوبات الأميركية.

وتؤكد أنه لو تم طرح هذين الموضوعين على طاولة مجلس الوزراء لكانا سقطا لكونهما يحتاجان إلى ثلثي الأصوات وهو أمر متعذر، لأن وزراء تيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي سيصوتون ضد هاتين الخطوتين، وذلك انسجاماً مع الإجماع العربي وتماشياً مع روحية البيان الوزاري.

باسيل والمتقاعدون في الجيش

إعلان باسيل عن استعداده زيارة دمشق أثار موجة غضب واسعة، لاسيما من الضباط الذين واجهوا جحافل الجيش السوري في 13 أكتوبر 1990، حيث استنكر العميد المتقاعد في الجيش اللبناني جورج نادر وهو من الضباط الذين قاتلوا حينها الجيش السوري، الذي كان يقتحم مناطق نفوذ عون، سائلاً باسيل عن تنكره لرفات مئات العسكريين والضباط والمدنيين الذين قتلهم نظام الأسد، إضافة إلى أكثر من 600 مفقود لبناني يعتقد أن عدداً منهم لا يزال في جهنم السجون السورية.

وجدد نادر، في تصريح إلى”اندبندنت عربية”، مطالبته بمعرفة مصير المفقودين اللبنانيين في السجون السورية والمقابر الجماعية لقتلى الجيش اللبناني، الذين تم إعدامهم بطريقة وحشية، قبل أن يتم البحث بأي زيارة إلى سوريا، مشيراً إلى أنه كان على باسيل وضع هذا الأمر كشرط للذهاب إلى دمشق واحترام هذه الذكرى التي تعني الكثير للبنانيين بعامة وعائلات الضحايا بخاصة، مستذكراً هذا اليوم بالقول “كان أحد أسوأ الأيام التي عشتها في حياتي، يومها تخلى العالم الحر والمجتمع الدولي عن الحرية والكرامة والاستقلال وتم تسليم لبنان إلى النظام السوري”.

ورأى أن كل المفقودين في الحرب الأهلية لم يعد هناك من إمكان لمعرفة مصيرهم باستثناء الذين قتلوا واعتقلوا وأعدموا في 13 أكتوبر، حيث أن الجهة معروفة والمعركة حصلت مع جيش نظامي له مرجعية سياسية، مجدداً مطالبته باسيل والحكومة اللبنانية بالعمل على إجلاء مصيرهم لأنها قضية وطنية وليست فئوية تخص فريقاً سياسياً وحده.

انقلاب على الشرعية العربية والدولية

ورأى النائب السابق فارس سعيد من جانبه، في حديث إلى “اندبندنت عربية”، أن التيار الوطني الحر برئاسة باسيل يستقوي بالأمين العام لحزب الله، حيث أطل بحلة المنتصر مستقوياً بسلاح الحزب.

ورأى سعيد أن الأخطر في كلام الوزير باسيل هو أن هناك أمر عمليات إيرانياً للانقلاب على التسوية في لبنان، أي الانقلاب على ما جرى منذ ثلاث سنوات حتى اليوم وعلى القوى السياسية التي أسهمت معهما في بناء هذه التسوية، أي الرئيس سعد الحريري والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، محذراً من أن يكون 13 أكتوبر 2019 هو تاريخ إعلان الانقلاب على اتفاق الطائف والشرعية العربية والنظام السياسي والمالي بعد توجيه الاتهام من قبل حزب الله وحليفه إلى المصارف بأنها أساس الأزمة.

واعتبر سعيد أن الدستور والشرعية اللبنانيين بخطر، مشيراً إلى إمكان ابتعاد الجمهور السني عن الحريري إذا استمر رئيس الحكومة اللبنانية في تقديم التنازلات لحزب الله والتيار الوطني، مضيفاً “نحن لسنا ضد عودة النازحين إلى سوريا. إذا كانت عودتهم مرتبطة بزيارة باسيل لبشار الأسد فليذهب إلى سوريا ويعيد النازحين والمعتقلين اللبنانيين في السجون السورية وليسلم النظام السوري عندها الذين فجروا جامع التقوى في طرابلس وعلي مملوك إلى القضاء اللبناني”.

الرد السوري

مصادر في التيار الوطني الحر وضعت كلام باسيل في إطار الموقف السياسي المتناغم مع مواقف رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي لطالما دعا إلى العمل على إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، رافضةً اعتبار كلام باسيل انقلاباً على التسوية الداخلية.

وأكدت أن كلام باسيل عن زيارة سوريا هو عبارة عن رسالة إيجابية تجاه الدولة السورية لتحفيزها على إعادة النازحين، نافية أن يكون قد سبقها أي ترتيب أو تحديد موعد لزيارة قريبة، مشيرة إلى أن التيار ينتظر تلقف الدعوة من الجانب السوري قبل الغوص بتحديد موعدها ومضمونها.

انفصام الموقف الحكومي!

في المقلب الآخر، عبّرت مصادر مقربة من الحريري عن امتعاضها الشديد من مواقف باسيل الأخيرة، التي اعتبرتها غير منسجمة مع مقاربة العمل الحكومي وقد تتسبب بإجهاض المساعي العربية والدولية لدعم لبنان في وضعه الاقتصادي الحرج.

ولفتت مصادر الحريري إلى أن هذه التصريحات من شأنها إحراج موقفه على الصعيدين الداخلي والخارجي، حيث يضع الرئيس الحريري أولويات نشاطه وجهوده على إخراج لبنان من أزمته الاقتصادية، مشددةً على أن هذا الأمر يظهر انفصاماً في الموقف الحكومي أمام الرأي العام المحلي والدولي.

“النظام ارتكب مجازر في لبنان”

وفي اعتراض واضح، قال مصدر قيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي إن الحزب لن يسمح بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد وسيمنع مع حلفائه، لاسيما القوات اللبنانية، أي محاولة لإخراج لبنان عن مساره العربي، مشيراً إلى أن على نظام الأسد تسليم مرتكبي مجزرة مسجدَي التقوى والسلام في طرابلس، التي دان القضاء اللبناني أبرز قادة النظام السوري بارتكابها.

واستغرب المصدر الاشتراكي إمكان زيارة دولة دان القضاء اللبناني نائب رئيسها، في إشارة إلى نائب رئيس النظام السوري للشؤون الأمنية اللواء على المملوك، المتهم بالتحضير لعمليات تفجير في عدد من المناطق اللبنانية مع الوزير السابق ميشال سماحة.

وشدد على أن قضية النازحين السوريين في لبنان هي قضية إنسانية بحتة وليست وسيلة للمتاجرة السياسية، مشيراً إلى ضرورة التزام لبنان المواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية اللاجئين، مضيفاً أن “عودة اللاجئين يجب أن تكون برعاية الأمم المتحدة حصراً. علينا قبل ذلك بحث قضية انسحاب حزب الله من سوريا، لاسيما أن 40 في المئة منهم من قرى يحتلها الحزب في القصير والقلمون الغربي”.

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button