بالأرقام: رواتب خيالية للطبقة الحاكمة في لبنان
يدور حديث في لبنان عن عزم الحكومة اللبنانية الصارم الاقتطاع من رواتب موظفي الدولة، في حين يستعد موظفو القطاع العام اليوم الثلاثاء إلى النزول إلى الشارع دفاعاً عن مستحقاتهم.
وفي هذا الوقت يبدو أن لبنان عازم على دخول مرحلة “التقشّف وعصر النفقات” مع ترقب قيام الحكومة بإجراءات للإصلاح المالي، بالتوازي مع إقرار موازنة “تقشفية” للعام الحالي. وتتحرك الحكومة التي تستعد لمناقشة الموازنة العامة في اتّجاه تخفيض 35 في المائة من رواتب موظفي الدولة والقطاع العام، وبالتالي من رواتب كافة الموظفين في الوزارات وقوى الجيش والأمن الداخلي والأجهزة الأمنية وموظفي المؤسسات التابعة لرئاسة الوزراء ومجلس النواب، وإلغاء تسهيلات الطبابة والأقساط المدرسية، مما يوفّر حوالي مليار دولار.
ومع أن لائحة التخفيضات المقترحة هذه، تغلف بهالة من السرية والتعتيم، إلا أن ما زاد في التصديق بذلك أن وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل أكد “أنه إذا لم يتجاوب الموظفون مع هذه التخفيضات سيؤدي ذلك إلى عدم صرف أي راتب لأي موظف”.
وتفاعل موقف باسيل في الوسطين السياسي والشعبي سلباً مما أحدث بلبلة توزّعت بين منصّات التواصل الاجتماعي والقوى السياسية كان أبرزها لرئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط قائلاً: “إن ما يدعو إليه باسيل يُشكّل خطوة ناقصة”، لافتاً إلى “أن هناك مرافق كثيرة تنطوي على هدر وفساد يمكن الاقتراب منها”، وموقف النائب في التكتل السياسي الذي يرأسه باسيل نفسه، النائب شامل روكز الذي قال: “الناس جاهزة للقرارات الهادفة إلى تخفيض النفقات وعجز الموازنة، لكن القطاع العام والموظفين والعسكر لا يتحمّلون مسؤولية الهدر والسرقات والنهب لسنوات عدّة”، مركّزًا على “أن مجرد الكلام عشوائيًّا لا يعطي نتيجة”.
وبدا واضحاً أن تحركات ومبادرات وشيكة ستتخذ من أجل استعجال التوصل إلى قرار سياسي وصف بأنه كبير وجامع من كل الكتل النيابية بما يوفّر المظلة الكبيرة لاتّخاذ قرارات تقشقية “موجعة ومؤلمة” تحدّث عنها رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري من شأنها ربما أن تزيد منسوب خفض العجز في الموازنة بما يقترب من نسبة الثلاثة في المئة.
ويبدو أن القوى السياسية قد هيّأت الرأي العام لهذه الإجراءات الموجعة باقتراحات مماثلة كان أبرزها من وزير المال علي حسن خليل، بحسم خمسين في المائة من رواتب السلطات العامة (الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين) لخفض العجز في الموازنة. واللافت للانتباه في هذا السياق وجود تململ لدى الشريحة الواسعة من النواب، حيال هذا الإجراء.
وبحسب الأرقام فإن رواتب الطبقة الحاكمة في لبنان وبعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب في العام 2017 (زيادة الرواتب والأجور)، باتت كالآتي:-رئيس مجلس النواب: 17.737 مليون ل. ل (أي أكثر من 11 ألف دولار، ناهيك عن المخصصات التي لا تحصى)-رئيس مجلس الوزراء: 17.737 مليون ل. ل.-الوزير: 12.937 مليون ل. ل.-النائب: 12.757 مليون ل. ل.وعليه، تصل رواتب الـ158 مسؤولاً إلى 41 ملياراً و893 مليوناً و564 ألف ليرة سنوياً.
أما الرؤساء السابقون للجمهورية (أمين الجميل وإميل لحود وميشال سليمان) ورئيس مجلس النواب السابق (حسين الحسيني) ورؤساء الحكومات السابقون (سليم الحص ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام) ونحو 305 نواب سابقين، إضافةً إلى 4 رؤساء جمهورية متوفين (سليمان فرنجيه وبشير الجميل ورينه معوض والياس الهراوي) و4 رؤساء حكومة متوفين (رشيد الصلح ورشيد كرامي ورفيق الحريري وعمر كرامي) و109 نواب متوفين، فيصل مجمل رواتب الرؤساء والنواب السابقين إلى 58 ملياراً و296 مليوناً و414 ألف ليرة سنوياً.
كما أن هناك 120 موظفاً في مؤسسات عامة يتقاضون رواتب تفوق رواتب النواب، ويعملون في مصرف لبنان والكازينو وقطاع البترول ومجلس الإنماء والإعمار والمرفأ ومؤسسة أوجيرو وشركة “طيران الشرق الأوسط”.
ويُعتبر حاكم مصرف لبنان الموظف الذي يتقاضى أعلى راتب في القطاع العام، والذي يبلغ شهريا أكثر من 26 ألفاً و600 دولار أميركي، ويقبض عن كل سنة 16 شهراً وليس 12 شهراً. كما أن هناك سفراء للبنان في الخارج يتقاضون نحو 15 ألف دولار شهرياً!
وفي السياق، أوضح وزير الشؤون الاجتماعية ريشارد قيومجيان لـ”العربية.نت” أن لا شيء نهائياً حتى الآن و”الإجراءات تخضع للنقاش، إلا أن ما أؤكده أننا ذاهبون نحو موازنة تقشّفية-إصلاحية، وكما قال الرئيس سعد الحريري هناك “إجراءات موجعة” لا بد منها من أجل تخفيف الهدر”.
وأشار إلى “مزاريب هدر عديدة نحاول من خلال الموازنة وقفها، لعل أبرزها التهرب الجمركي، ونحن كـ”قوات لبنانية” سبق وتقدّمنا باقتراح قانون حول هذه المسألة”، جازماً “بأن لا “تراخي” هذه المرّة في مسألة وقف الهدر وعصر النفقات”.
من جهته، رأى الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة في تصريح لـ”العربية.نت” أن طبيعة ونوعية الإجراءات المالية التي ستتخذها الحكومة اللبنانية غير واضحة حتى الآن، مع أن ما قاله الوزير جبران باسيل حول تخفيض الرواتب قد يكون جزءاً من هذه الإجراءات “، إلا أنه اعتبر في المقابل “أن من الصعب المسّ بالأجور والرواتب والمكتسبات المعيشية تحت أي سبب كان إذا لم يوازها محاربة للفساد في المرحلة الأولى”.
وتحدّث عجاقة عن مزاريب هدر عديدة يُمكن إذا تم إقفالها إدخال إيرادات إلى الخزينة، منها التهرّب الضريبي الذي يحرم الخزينة حوالي 4 مليارات دولار، التهرّب من الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة، التهرّب من التخمين العقاري والتوظيف العشوائي…الخ”، مستبعداً أن تُبادر الحكومة في وقف هذه المزاريب”.
ولا يبدو أن تخفيض الأجور والرواتب سيمرّ مرور الكرام على اللبنانيين، لاسيما الموظفين، إذ تستعد قطاعات إنتاجية عدة في لبنان للنزول إلى الشارع رفضاً لأي مسّ بما تعتبره حقاً مقدّساً، علماً أن أي تخفيض يطال الرواتب التي تُشكّل نحو 25% من النفقات العامة سيؤدي حكماً إلى تراجع العجز في الموازنة بنسبة 2 مليار دولار.
ولفت الخبير الاقتصادي عجاقة إلى أن “أي مسّ بالرواتب سيُسبّب بإفلاس العديد من الموظفين الذين حصلوا على قروض بناءً على رواتبهم السابقة التي ارتفعت بعد حصولهم على سلسلة الرتب والرواتب، كما أن القدرة الشرائية لهؤلاء ستتراجع كثيراً، أي أن الناتج المحلي سينخفض بسبب الانكماش الاقتصادي”، إلا أنه طمأن في المقابل إلى أن “معدل النمو سيعود ويرتفع في المدى المتوسط (سنة أو سنتين)”.
المصدر: العربية.نت