لبنان

عن الحزبية والدولة: حين يصبح الهروب من المسؤولية هروبًا من الواقع

بقلم تادي عواد

في خِضمّ التخبّط السياسي الذي يعيشه لبنان، يطلّ بين الحين والآخر من يروّج لفكرة «الوطن بلا أحزاب»، وكأنّ التنظيمات الحزبية رجسٌ مطلق، وكأنّ النيات الحسنة والخطابات العاطفية تصلح بديلاً عن إدارة الشأن العام.
لكن، بلغة السياسة والعِلم والواقع، لا يؤمن بوطنٍ بلا أحزاب إلا من يجهل أبسط قواعد قيام الدول.

الأحزاب: محرّك الدولة لا عبئها

لا تُدار الدول بالتمنّيات ولا بالارتجال. فالدولة، في جوهرها، نتاج مؤسسات وتنظيمات وبرامج ورؤى مستقبلية، وكلّها عناصر تُصاغ داخل الأطر الحزبية.
وعند النظر إلى دول العالم، لا نجد دولة واحدة خارج هذا الإطار. حتى أكثر الأنظمة تسلّطًا تدرك أن الحكم يحتاج إلى تنظيم، ولذلك تحكم عبر حزب أو منظومة حزبية. وفي الأنظمة الديمقراطية، القاعدة واضحة لا لَبس فيها: لا ديمقراطية بلا أحزاب. وحتى الدول الشيوعية ذات الصوت الواحد، يبقى فيها «الحزب الشيوعي» هو العقل الذي يدير الدولة ويحتكر القرار.

المرآة الكاشفة: مسؤولية الناخب

حان الوقت للخروج من وهم تحميل المسؤولية لـ«آخر» مجهول. فالأحزاب ليست شرًّا مطلقًا بحدّ ذاتها، بل أدوات تعكس إرادة من يمنحها الشرعية.
والحقيقة القاسية التي يتهرّب منها كثيرون هي أن ما وصلنا إليه اليوم هو حصيلة خيارات الناخبين أنفسهم. لقد سُلِّم البلد للأحزاب الخطأ، وساد الولاء الأعمى على حساب المساءلة والمحاسبة.
المشكلة ليست في الحزبية كفكرة، بل في انتخاب أحزاب مرتهنة لمحاور خارجية، تُقدِّم مصالح غير لبنانية على المصلحة الوطنية، بدل انتخاب أحزاب وطنية سيادية تعمل لمصلحة لبنان.

الوعي هو البوصلة

المعضلة الحقيقية ليست في وجود الأحزاب، بل في غياب الوعي الشعبي. فالأحزاب، في نهاية المطاف، ليست سوى أدوات: إمّا تُستخدم لبناء دولة المؤسسات والقانون، وإمّا تُستغل لتحويل الوطن إلى مزرعة للمصالح الفئوية والشخصية، أو إلى دولة إسناد لحروب الآخرين، فتدمَّر البلاد بمن فيها.

لقد كان الخيار دائمًا بيد الناس، ولم يكن يومًا حكرًا على الزعماء. وإصلاح الحياة السياسية يبدأ من الاعتراف بأن الحزب وسيلة للبناء، وأن جودة هذا البناء مرهونة بوعي من يختار «البنّاء».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى