لبنان

يصفّقون للمعتدي… وينحرون المعتدى عليه

هنري ضومط

ما جرى في الجلسة التشريعية الأخيرة لم يكن مجرّد خلاف إجرائي، بل مشهدًا فاضحًا لانقلاب المعايير. إعلام الممانعة صفق للمعتدي، فيما شارك في نحر المعتدى عليه. المعتدي هنا هو من تجاوز النظام الداخلي للمجلس النيابي، والمعتدى عليه هو الدستور، والقانون، وحق اللبنانيين غير المقيمين في الاقتراع من مكان إقامتهم.
بوضوح كامل، تجاهل رئيس مجلس النواب نبيه بري إدراج مشروع القانون المعجّل المقدّم من الحكومة على جدول أعمال الجلسة التشريعية، خلافًا لأحكام النظام الداخلي والمهل الملزمة. هذا التجاوز لم يكن تفصيلاً، بل استكمالًا لمسار واضح يهدف إلى ضرب حق المغتربين في الاقتراع للنواب الـ128 من مكان اقامتهم.
بدل مساءلة هذا الخرق، اختار إعلام الممانعة قلب الوقائع: صوّر المخالفة “انتصارًا”، واعتبر التمسّك بالنظام الداخلي “تعطيلاً”. أكثر من ذلك، هاجم كل من قرأ النصوص القانونية وذكّر بأن رئيس المجلس على خطأ، وكأن الالتزام بالقانون بات تهمة، فيما التلاعب به أصبح بطولة.
هكذا، أُقِرّ عمليًا نحر صوت المغترب اللبناني، ذاك الذي أُجبر على ترك بلده نتيجة سياسات الفشل والانهيار التي قادها هذا المحور نفسه على مدى خمسة وثلاثين عامًا. لم يكتفوا بدفعه إلى الهجرة، بل يسعون اليوم إلى حرمانه من أبسط حقوقه السياسية: المشاركة في اختيار ممثليه على قدم المساواة مع المقيمين.
بين المعتدي والمعتدى عليه، وبين التزوير السياسي والوقائع الدستورية، يبرز مسار وحيد للخلاص. فالدستور يمنح رئيس الجمهورية صلاحية واضحة بتوجيه رسالة إلى مجلس النواب، يدعوه فيها إلى الانعقاد ووضع مشروع القانون المعجّل على جدول أعمال الهيئة العامة، كسرًا للتعطيل وإعادة الأمور إلى نصابها القانوني.
السؤال اليوم لم يعد موجّهًا إلى من يبرّر المخالفات أو يصفّق لها، بل إلى رئيس البلاد نفسه:
هل يستخدم صلاحياته الدستورية لإنقاذ حق اللبنانيين غير المقيمين، وحماية مبدأ المساواة، ومنع تحويل المجلس النيابي إلى أداة تعطيل؟
الخلاص بات واضحًا، والمفتاح دستوري، والوقت يضيق.
فهل يفعلها الرئيس؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى