لبنان

زيارة البابا، لبنان على موعد مع الرجاء

شادي الياس

في توقيت بالغ الحساسية، تأتي الزيارة المرتقبة في نهاية الأسبوع للبابا لاون إلى بيروت كحدث إستثنائي يتجاوز البعد البروتوكولي والديني، ليتحوّل إلى رسالة سياسية وروحية لها دلالات عميقة، موجّهة إلى لبنان أولاً، وإلى الشرق الأوسط بأسره ثانياً، في وقت يتقاطع فيه الخراب مع الرجاء، والحرب مع السلام.

منذ نشوء لبنان، ويشكّل نموذجاً فريداً للوجود المسيحي في قلب الشرق الأوسط ذات الأكثرية الإسلامية. ليس كـ”أقلية”، بل كعنصر تأسيسي للوطن، وكشريك أساسي في صناعة تاريخ لبنان وثقافته وحضارته. لهذا السبب تحمل زيارة البابا معنى يتجاوز دعم طائفة بعينها معنويّاً، إلى تثبيت دور لبنان المسيحي كجسر حضاري بين الشرق والغرب، وكشاهد على إمكانية العيش المشترك رغم كل الصراعات. لذلك فكرة تشديد البابا على أهمية الوجود المسيحي في المنطقة، هو دفاع عن التعددية، وتمسّك بنموذج لبنان الرسالة، لا لبنان الساحة، ساحة تصفية حسابات الغرباء على أرضه.

لا تأتي هذه الزيارة كتعزية لمسيحيي لبنان بل بالعكس هي تشجيع على الثبات في رسالتهم، وعلى عدم الاستسلام لشعور الهجرة واليأس والانكفاء السياسي، فالمسيحيون في لبنان لا يحملون دورٌ عدديّ، بل دور رياديّ في كل المجالات، يحملون رسالة ثقافية ورسالة روحية وإنسانية تتصل بجذور هذا الشرق الأوسط.

ومن المتوقع أن يؤكد البابا في زيارته على أن الإيمان لا يُقاس بالقوة بل بالشهادة اليومية. وإن البقاء في الأرض رغم الصعوبات هو فعل مقاومة. والهجرة ليست قدراً من اقدار الدنيا بل ضعف وهروب. إن روما تراقب المشهد اللبناني بقلق كبير، ولن تحمّل القيادات اللبنانية كلمات دعم أو ما شابه، بل سيكون لها رسائل واضحة وصريحة، مثل الدعوة إلى تحييد لبنان عن صراعات المحاور الإيرانية، وإعادة الإعتبار للدولة ومؤسساتها وجيشها، وحماية العيش المشترك في لبنان الذي شارف على الانهيار، وعدم إستخدام الطوائف وقوداً للصراعات الإقليمية، ومطالبة القيادات المسيحية تجاوز الإنقسامات، والعودة إلى منطق الشراكة الوطنية لا الحسابات الإنتخابية الضيّقة. بالإضافة الى الدعوة للسلام العادل لا الوهميّ، ورفض تحويل لبنان إلى ساحة دمويّة، والتأكيد على أن السلاح لا يبني أوطاناً بل يدمّرها، وعلى أن الفقر ليس قدر إلاهي بل نتيجة فساد وسوء حكم فقط. فلبنان لا يشتهر بأزماته، بل يُعرَف برسالته، فهذه الزيارة تكتسب قيمة مضاعفة بعد الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، وما خلّفته من قلق وجودي على مصير لبنان. ففي ظل الخشية من توسّع المواجهة وإنزلاق البلاد إلى صراع أكبر، تأتي زيارة البابا كصرخة ضمير عالمية صرخة تقول كفى حروباً عبثية على أرض الأبرياء، صرخة لإعادة لبنان إلى موقعه الطبيعي، وطناً للحياة لا ساحة للموت، وطن حوار لا خط تماس، وطن الرسالة لا الدولة الفاشلة كما وصفها المبعوث الأميركي.

زيارة البابا لاون إلى بيروت، إن تمّت ولم يحدث شيئ مفاجئ، لن تكون مجرد محطة كنسية ورعوية، بل حدثاً مفصلياً يعيد وضع لبنان على الخريطة الروحية للعالم المسيحي، ويؤكّد أن هذا الوطن الصغير لا يزال كبيراً برسالته ومعناه، وكبيراً بنظر الفاتيكان رغم كل إنكساراته وتراجعه. هذه الزيارة هي زيارة رجاء، في زمن الإنهيار، زيارة تثبيت للمسيحيين في لبنان، في زمن كثر فيه التهجير، وزيارة سلام، في زمن الحروب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى