دمشق تتلاعب وتحرّض على فتنة درزية
يبدو ان النظام السوري استطاب بعض جوانب التطورات الداخلية الاخيرة في لبنان فأراد تثبيت الإيحاءات المتوجسة من عودته الى العبث والتلاعب بالشؤون اللبنانية مستغلا رخاوة خاصرة الواقع الراهن المتمثل باندفاعات بعض حلفاء النظام السوري نحو استعادة سياسات اتبعت طويلا خلال حقبات الوصاية السورية . هكذا اذن ومن دون اي تبريرات منطقية ومن دون اي روادع تتصل بالحدود البديهية المبدئية للسيادة اللبنانية زجت قيادة دمشق السياسية والامنية امس بأنفها في مسألة محض داخلية لبنانية فبدأت تنفيذ قرار غريب لا يوحي سوى بالتحرش الفاقع في شؤون طائفة الموحدين الدروز في لبنان . برز القرار المستغرب مع اجراء وصف بانه استثنائي اتخذته دمشق ويقضي بعدم السماح لاي رجل دين درزي لبناني بدخول الاراضي السورية ما لم يحصل على بطاقة تعريف خاصة تمنح من الشيخ نصر الدين الغريب القريب من النائب طلال ارسلان . واذ بدا واضحا ان النظام السوري عاود اللعب على وتر التباينات والخلافات الدرزية – الدرزية في لبنان سارع الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط الى محاولة احتواء هذه المحاولة للعبث واثارة الفتنة السياسية والتفرقة فغرد على صفحته قائلا “ان للشيخ ناصر الدين الغريب مكانته واحترامه لذا انصح بالابتعاد عن اي دور لا يليق بمقامه . دع الغير يقوم بادوار السيء الذكر رستم غزالي “ .
وكانت إشارة الزعيم الجنبلاطي الى رستم غزالي كافية للإدراك بانه التقط رسالة الفتنة التي يحاول النظام السوري اقحام الدروز اللبنانيين فيها لاعتبارات تتعلق اولا وأخيرا بتصفية حساباته مع القيادة الجنبلاطية ومن ثم محاولة تقوية اوضاع حلفائه على مشارف المرحلة المقبلة . وانعكست تداعيات هذه المحاولة بشكل مباشر عبر مسارعة حليفي النظام السوري النائب ارسلان والوزير السابق وئام وهاب الى توجيه مواقف حادة ونزقة من جنبلاط من دون اي تبرير لديهما للإجراء السوري المستغرب علما ان اي جهة رسمية ايضا لم تعلق هذا الإجراء على رغم انه يعتبر ماسا بأمر سيادي . واذ كتب ارسلان مهاجما جنبلاط ومتهما إياه بتغطية موبقات المتاجرين بالزي الديني داعيا إياه الى تجنب ذكر الشيخ الغريب ذهب وهاب بدوره الى القول ان جنبلاط كان مرة معه عند رستم غزالي .وعاود جنبلاط التغريد ليقول هذه المرة “لم اكن اعلم ان رستم غزالي وجامع جامع ووفق التراتبية المعتمدة تقمصا ساحلا وجبلا بهذه السرعة”.
وفي وقت لاحق اطلق كل من جنبلاط وأرسلان دعوات الى التهدئة وتجنب السجالات بما اوحى بمحاولات لتبريد التوتر.
والواقع ان اشتعال المواجهة الدرزية – الدرزية بتحريض مكشوف من القيادة الدمشقية للنظام السوري اثارت تساؤلات عن مآرب هذه القيادة والحدود التي تحاول تجاوزها في إظهار تدخلاتها السافرة في الواقع اللبناني وتاليا الى اي مدى يمكن العهد والحكومة كلا السكوت عن تدخلات كهذه تحظى بتأييد ودعم من بعض حلفاء النظام . وفي ظل هذا التطور الجديد لم يعد ممكنا تجاهل الابعاد الاخرى لاحتدام المواجهة المفتعلة بين “حزب الله” واحد رموز قوى ١٤ آذار وتيار المستقبل الرئيس فؤاد السنيورة والتي سواء اعترف الحزب ام انكر ان السنيورة تمتع بغطاء سياسي واسع في رده على حملات استهدافه فان جانبا أساسيا من اهداف الحزب الذي يزعم الانخراط في مكافحة الفساد بات مكشوفا لجهة الاستهداف السياسي للفريق الحريري كله وليس للرئيس السابق للحكومة الذي يناهضه الحزب العداء الشديد. ويبدو بذلك ان ثمة حملات منسقة بين النظام السوري وبعض حلفائه انكشفت اهدافها بوضوح في الفترة الاخيرة وخصوصا لدى اعتمادهم توقيتا مكشوفا لحملاتهم مع انطلاقة عمل الحكومة الجديدة . وتبعا لذلك يخشى ان يكون المشهد الحكومي والسياسي امام مفاجآت غير سارة في وقت يفترض فيه ان تتركز الاجندة الحكومية على برمجة تنفيذ اولويات مؤتمر سيدر والشروع في تنفيذ الاساسي منها كملفات الكهرباء والاتصالات وانهاء مشكلة النفايات وهي الملفات الضرورية للاستثمارات كما نصح بذلك الموفد الفرنسي المنسق لمقررات سيدر السفير بيار دوكان . ولعل ما ينبغي الاشارة اليه في هذا السياق ان موجة المعطيات السلبية التي أشيعت عن مهمة دوكان في بيروت بدت بدورها وجها من وجوه دس الألغام امام الحكومة وقد اكد القريبون من رئيس الحكومة سعد الحريري امس عدم صحة الكثير مما اشيع عن مواقف دوكان الذي وان كان استعجل الحكومة اطلاق إلاجراءات التنفيذية لمقررات سيدر كما تعهدت بها في بيانها الوزاري فانه لم يدل بمواقف تهديدية وضاغطة وتحذيرية كما تردد.
النهار