لن تتهاون إسرائيل في مسألة نزع سلاح حزب الله

بقلم: ديفيد شينكر – 27 تشرين الأول 2025
لن يكون هناك سلام، ولا سيادة، ولا إعادة إعمار للبنان ما بعد الحرب من دون مصادرة أسلحة حزب الله.
في حفل التوقيع في شرم الشيخ، تباهى الرئيس الأميركي دونالد ترامب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة واصفًا إياه بأنه “بداية جديدة لمنطقة شرق أوسط جميلة بأكملها”، وتوقّع توسّعًا وشيكًا في اتفاقات أبراهام. لكن هدنة إسرائيل-حماس لا تسير على ما يُرام، وبعد ساعات فقط من مراسم شرم الشيخ، أعلن الرئيس اللبناني جوزف عون أنه منفتح على مفاوضات مع إسرائيل، ما أثار آمالًا بأن بيروت قد تكون المحطة التالية في مسار السلام. للأسف، هذا التفاؤل سابق لأوانه، إذ إنّ احتمال تجدّد الحرب مع حزب الله أكبر بكثير.
هدنة هشة في لبنان على المحك
وقّعت إسرائيل ولبنان اتفاق وقف إطلاق نار لإنهاء الحرب بين الجانبين في تشرين الثاني 2024. وكحال غزة، لا يسير هذا الاتفاق على نحوٍ جيد. فقد التزمت بيروت في الاتفاق بنزع سلاح حزب الله، الميليشيا المدعومة من إيران، في جميع أنحاء البلاد. اليوم، يقوم الجيش اللبناني بجمع الأسلحة وتفكيك بنى حزب الله التحتية في جنوب لبنان، لكنّ بيروت تتردّد في تنفيذ التزاماتها في الشمال.
منذ بدء الهدنة، تستهدف إسرائيل عناصر حزب الله ومستودعات أسلحته، وتقصف لبنان بشكل شبه يومي. وفي غياب تقدّم حقيقي في عملية نزع السلاح، تهدّد إسرائيل باستئناف حملتها العسكرية الكاملة ضد الحزب.
الضربات الإسرائيلية المدمّرة في أيلول وتشرين الأول 2024 أضعفت الميليشيا بشدة، ما دفع حزب الله إلى قبول وقف إطلاق النار وتحييد قواته في الجنوب. إلا أنّ الحزب يرفض نزع سلاحه شمال نهر الليطاني، الأمر الذي أدّى إلى جمود العملية. وقد زار المبعوث الأميركي الخاص توم براك لبنان في آب الماضي للضغط على بيروت للمضي قدمًا. وتحت الضغط، قدّم الجيش اللبناني في مطلع أيلول خطة سرّية إلى مجلس الوزراء لنزع سلاح الحزب، تقضي بإنهاء الجنوب بحلول العام الجديد، ثم الانتقال إلى الشمال. لكن تبيّن لاحقًا أنّ الجيش والحكومة لا ينوون تنفيذ ذلك فعليًا.
بالنسبة للجيش وبعض أركان الحكومة، فإن نزع سلاح حزب الله خطوة محفوفة بالمخاطر. ففي آب، هدّد نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم باستئناف الحرب الأهلية التي استمرت 15 عامًا إذا استمرّت الحكومة في محاولات مصادرة أسلحة الحزب. وقبل ذلك بأيام فقط، قُتل ستة جنود لبنانيين أثناء تفكيك مستودع أسلحة تابع لحزب الله قرب مدينة صور، في انفجار اعتُبر لاحقًا كمينًا مفخّخًا.
عون يبدّل النهج
خوفًا من اندلاع حرب أهلية، غيّر الرئيس عون مقاربته. فبدلًا من نزع سلاح حزب الله، بدأ يتحدث عن “احتواء” أسلحة الحزب شمال الليطاني. وقال في طرحه الأول لفكرة المفاوضات: “السلاح ليس هو المشكلة الأساسية، بل النية في استخدامه.”
لكن بالنظر إلى ميل حزب الله لاستخدام هذا السلاح ضد إسرائيل، وإلى تعهّد عون في خطابه الافتتاحي بـ“ضمان حق الدولة في احتكار السلاح”، فإن هذا التراجع يُعدّ مخيّبًا للغاية.
يسعى عون حاليًا إلى استغلال المفاوضات لإنهاء الضربات الإسرائيلية المتواصلة ضد أهداف الحزب، ولتحقيق انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية. لطالما خاض لبنان وإسرائيل مفاوضات غير مباشرة بوساطة أميركية وأممية، نجحت سابقًا في ترسيم الحدود البحرية وكان يمكن أن تساعد في حلّ النزاعات الحدودية البرية. وقد تمهّد المفاوضات المباشرة لبناء علاقات أكثر طبيعية – وإن لم تكن سلمية – بين المؤسستين العسكريتين في البلدين.
لكن رغم أن المفاوضات المباشرة مع بيروت تبدو مغرية للقدس، فإنّ إسرائيل بعد 7 تشرين الأول لم تعد تتسامح مع وجود وكلاء إيران المسلحين على حدودها. ولهذا، وبعد أسبوع من عرض عون التفاوض، رفضت إسرائيل المبادرة. وفي اليوم التالي، شنّت مجددًا غارات على مواقع وأفراد من حزب الله في لبنان.
مستقبل لبنان
بعد نحو عام على توقيع اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان، ما زالت بيروت تراوغ في التزاماتها بشأن حزب الله. ولها أسباب وجيهة لذلك، منها سجلّ الحزب الطويل في اغتيال خصومه المحليين والخشية من اندلاع حرب أهلية. لكن من دون نزع سلاح حزب الله، لن يكون هناك سلام، ولا سيادة، ولا إعادة إعمار للبنان ما بعد الحرب.
ليس عون وحده من يتردد في مواجهة الحزب؛ فخشية الانفجار الداخلي دفعت بعض اللبنانيين إلى الدعوة لنهج تدريجي لتحويل الحزب إلى كيان سياسي صرف. غير أن الدلائل تشير إلى أن الحزب لا يرغب في ذلك. فالميليشيا، رغم ضعفها الحالي، ستعيد بناء نفسها إذا تُركت على حالها. وحتى إن تحرك الجيش اللبناني لمصادرة السلاح، من غير المؤكد أن الحزب سيقاتل أبناء وطنه؛ إذ إن اقتتالًا داخليًا كهذا لن يؤدي إلا إلى تآكل مكانته أكثر.
كتب توم براك مؤخرًا: “إذا فشلت بيروت في التحرك، فسيواجه حزب الله مواجهة كبرى حتمًا مع إسرائيل.”
وللأسف، رغم الآمال التي أثارتها حكومة لبنانية جديدة ووضع الحزب الضعيف، يبدو أن براك محقّ. فإسرائيل مستعدة للتفاوض وتقديم تنازلات للبنان في قضايا كثيرة. بل إنها قدّمت تنازلات كبيرة في اتفاق ترسيم الحدود البحرية عام 2022، عندما وافقت على معظم مطالب بيروت. لكن فيما يتعلّق بنزع سلاح حزب الله، لن يكون هناك أي تنازل.
المصدر: The National Interest




