عن الشرخ الوطني… آن أوان الحقيقة والحساب

بقلم تادي عواد
عندما يتحدّث النائب علي حسن خليل من بعبدا ويتوسّع في التحذير من “الشرخ” الذي سيحدث إذا نوقش قانون انتخابات المغتربين، فهو لا يصف حالة فحسب، بل يكتب حقيقة منظومةٍ عاثت في بلدنا فسادًا وسلبًا.
الشرخ الوطني في لبنان لم يولد أمس؛ هو جرحٌ مفتوح نازف منذ سنوات طويلة، وأنتم شركاء في نزفه. لقد حان وقت المواجهة، لا وقت التلطي خلف ألف حجة واسم.
منذ أن قرّر حزب الله وحركة أمل بناء دولة داخل الدولة وامتلاك السلاح بحجة “المقاومة”، بدأ تفكك الدولة وبدأ الشرخ. في يومٍ وضعت فيه الميليشيا نفسها فوق الدستور، ضُرب مفهوم المواطنة؛ وُلدت دويلة طائفية تُفرَض بالقوة وتُقوّض أي محاولة لبناء دولة حديثة وقوية.
وعندما تحوّلت ما يسمّى “المقاومة” إلى عصابة تصفية سياسية — من اغتيال رفيق الحريري إلى اغتيال الياس الحصروني — أصبحت لغة الدم وسيلةً لتكميم الأفواه. هذه ليست مبالغة؛ هذه وقائع تُثبِت أن من يملك السلاح في لبنان اليوم يملك الكلمة الأخيرة، حتى لو كانت كذبًا وإرهابًا.
ولو كان لديكم ذرة حياء، لما احتفلتم بذلك اليوم الأسود الذي أطلقتم عليه تسمية “يوم مجيد للمقاومة”. ففي احتفالكم هذا اعترافٌ ضمني باجتياح بيروت وإرهاب اهلها وبسقوط هيبة الدولة. وأن تهاجموا عين الرمانة وتطلقوا النار على أهلها هو إعلان بأن سلاحكم موجَّه إلى صدور اللبنانيين قبل أن يكون موجَّهًا إلى أي “عدو” آخر.
الفاجعة اليوم أنكم تتباكون على شرخٍ مزعوم سيحصل إذا تم تعديل قانون انتخابي غير عادل يقصي المغتربين — الفئة التي لا تزال تؤمن بلبنان رغم الغربة والمرارة. تريدون نظامًا بلا صوتٍ يفضحكم، جمهورًا مكمَّمًا لا يجرؤ على مساءلتكم. هذا ليس إصلاحًا؛ هذا قضمٌ مدروس للديمقراطية.
الشرخ لا يُداوى بالقوانين المصممة للإقصاء، بل بنزع سلاح الإرهاب السياسي. لا مصالحة ولا وحدة يمكن أن تقوم على قواعد هشّة بينما ما تبقّى من الدولة يُدار بخيوط خارجية ومالٍ مسروقٍ يروّج لولاءاتٍ لا وطنية لها.
اللبنانيون سئموا الخداع. سئموا شعارات “المقاومة” الملوّنة بالكذبة، وسئموا دولةً معلّقة بين أمرة طهران وحسابات لصوص المال العام. لا مزيد من التسويف: إما دولة مواطنة تُحكَم بالقانون، أو دويلات متواطئة تطعن بظهر الشعب.
نقولها بصوتٍ مرتفع وواضح: الشرخ الوطني لن يُعالَج إلا بجمع كلِّ السلاح غير الشرعي، ومحاسبة كلِّ فاسدٍ سرق أموال الناس، وإعادة السيادة والقرار إلى الدولة اللبنانية وحدها. لا عدالة دون محاسبة، ولا وحدة دون تحرير القرار الوطني من أي هيمنة خارجية.
لبنان لا يُبنى بالكلام الفارغ ولا بالاحتفالات الشكلية؛ يُبنى بالعدالة، وبالحقيقة، وبقوة القانون. ولن تتوحد البلاد إلا بعد سقوط سلاح الفتنة وسلاح العمالة لإيران. حينها فقط يعود المواطن ليأخذ مكانه الطبيعي في وطنٍ يحترمه ولا يخشى سلاحًا فوق دستوره.




