التاريخ لا يُكتب بأقلام المهرّجين… القوات اللبنانية تصنع مجدها بالشجاعة والعقل

بقلم تادي عواد
لقد أثبتت الأيام في لبنان أنّ قلّة قليلة فقط امتلكت الشجاعة لتحمّل همّ الشأن العام بصدق، بعيدًا عن المصالح الضيّقة والأنانيّات الرخيصة. هذه القلّة هي التي قرّرت مواجهة التدخّلات الخارجيّة التي تنهش سيادة الوطن، وسعت إلى التغيير بوعي ومسؤوليّة، لا بشعارات جوفاء ولا بمزايدات رخيصة، بل بصلابة الموقف ووضوح البوصلة الوطنيّة.
في المقابل، سلّمت الأكثريّة نفسها لليأس، فقبلت بالذلّ كأنّه قدر محتوم، أو غرقت في سباق محموم على المكاسب، لا تمانع أن تُوسم بالعمالة والخيانة إذا كان الثمن منصبًا أو منفعة. أمّا فئة ثالثة فقد ابتلعت طُعم التفاهة، فاستبدلت النقاش الجادّ بالتعليق الساخر، وحوّلت قضايا الوطن إلى مادّة للضحك والاستهزاء، بما جعل الساحة السياسيّة أسيرة قلّة واعية تقاوم بمفردها، وأكثريّة إمّا منسحبة، وإمّا متواطئة، وإمّا غارقة في الاستهلاك الإعلامي الساخر.
لماذا وصل لبنان إلى وضعه الحالي؟
لأنّ من يتحكّم بالمشهد العام لا يمثّل الشعب الحقيقي، بل يجسّد الانحدار في الثقافة والسلوك. إنّهم من صنعوا واقعًا يقوم على الضجيج بدل العقل، وعلى المسرحيّة بدل الحقيقة. في الشاشات ووسائل التواصل، يعلو صوت التفاهة على صوت المنطق، ويتحوّل الجدل إلى مهزلة. ومن الطبيعي في هكذا واقع أن تُكمَم الأفواه الصادقة، وأن يختنق صوت العقل وسط عاصفة الضجيج، لأنّ النخب المزيّفة تحتاج دائمًا إلى قتل الحقيقة لفرض الوهم.
ومع ذلك، تبقى القوات اللبنانية من بين القلّة التي لم تستسلم لهذا الانحدار. فهي لم تختر الطريق الأسهل، بل الأصعب: أن تحاول رغم إدراكها حجم التحدّيات، أن تصرخ رغم معرفتها أنّ الصدى قد يُشوَّه، أن تصارع رغم يقينها بأنّ الخصم ليس واحدًا، بل جبهات متشابكة من الخارج والداخل. ومع كلّ هذا، تُتَّهَم بالجنون فقط لأنّها تقول ما لا يجرؤ الآخرون على قوله، ولأنّها تُصرّ على البقاء في خطّ المواجهة عندما يهرب الآخرون إلى الظلّ.
لكن في النهاية، ورغم السجن والعزلة والهجمات والافتراءات، تنتصر…
تنتصر لأنّها تقف حيث يجب أن تقف، لا حيث تميل الرياح.
تنتصر لأنّها تمثّل القلّة الواعية التي تحفظ معنى الكرامة والسيادة في وطنٍ فقدهما.
ومن هنا، فإنّ التاريخ، بما هو سجلّ للحقائق لا للضجيج، لا يخلّد الشعارات الزائفة ولا المظاهر الاستعراضيّة، بل يحفظ صمود القوى التي دفعت ثمنًا باهظًا حفاظًا على الحرّيّة والسيادة.