لبنان

كلمة تشعل الرأي العام

بقلم شادي الياس

لا شكّ أنّ الكلمات تُعدّ أداةً قويةً، لكنّها في بعض الأحيان قد تُصبح سلاحًا ذو حدّين، خاصّةً عندما تُساء فهمها أو تُترجم بشكلٍ خاطئ. هذا ما حدثَ تمامًا مع تصريح الموفد الأميركي الخاص بلبنان، توم براك، وما تلاها من ضجةٍ إعلاميةٍ واسعةٍ، كشفت عن سوء فهمٍ للكلمة، وأثارت تساؤلاتٍ حولَ دور الإعلام في نقلِ الحقائق.

تصريح توم برّاك لم يكن عاديًا، فقد وصفَ فيه الوضع بكلمةٍ إنجليزيةٍ أثارت جدلًا كبيرًا anomalistic هذه الكلمة تعني “غير طبيعي” “شاذ” أو “فوضويّ”. إنها كلمة تُستخدم لوصفِ حالةٍ خارجةٍ عن المألوف أو لا تتبع القواعد المعمول بها.  لكن ما حدثَ هو أنّ بعض الصحافيين، عن قصد أو غير قصد، ترجموا الكلمة بشكلٍ خاطئٍ أو تمّ سماعها أو فهمها animalistic التي تعني “حيواني” أو “وحشي”… هذا الخطأ في الترجمة لم يكن مجردَ زلّةٍ لغويةٍ، بل كانَ له تأثيرٌ كبيرٌ وأشعل الرأي العام

من الضروري جدًا فهمُ الكلمة anomalistic في سياقها الأصلي. هو لم يصف الشعب اللبناني أو الإعلاميين، بل كانَ يُشيرُ إلى حالةٍ استثنائيةٍ وغيرِ طبيعيةٍ في التسابق على الكلام. لكنّ الضجيجَ الإعلامي أبعدَ النقاشَ عن جوهره، وحوّله إلى معركةٍ كلاميةٍ لا فائدة منها سوى التضليل، تُركّزُ على كلمةٍ واحدةٍ، وتتجاهلُ السياقَ بالكامل.

هذه الحادثةُ تُسلّطُ الضوءَ على مسؤوليةِ الإعلام الكبيرة. فبدلًا من أن يكونَ جسرًا لنقلِ المعلوماتِ الصحيحةِ، قد يُصبحُ أداةً لتشويهِ الحقائقِ وتأجيجِ الفتنة. من الأهمية بمكانٍ ما أن يتوخّى الإعلامُ الدقةَ في الترجمةِ والنقل. ففي النهاية، ما حدثَ مع تصريحِ توم برّاك ليس مجردَ خطأ لغوي، بل هو درسٌ في كيفَ يمكنُ لكلمةٍ واحدةٍ أن تُحوّلَ واقعًا طبيعياً الى ضجة لا تخدم غير أصحاب الفتن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى