لبنان

عناد حتى الهاوية… الثنائي الشيعي يدفع بيئته نحو المجهول

بقلم تادي عواد

يقول المثل الشعبي: “إذا أردت الخروج من الحفرة، عليك أولًا التوقف عن الحفر”، لكن ما يظهر في المشهد اللبناني هو أن قيادات الثنائي الشيعي قررت الاستمرار في الحفر، وكأنها تراهن على عمق الحفرة كوسيلة للهروب من مواجهة الحقائق.

 

من الفرصة السياسية إلى العناد الميداني

لا يمكن إنكار أن ما واجهه الثنائي في الأسابيع الأخيرة شكّل صدمة قاسية له، هزّت حساباته السياسية والأمنية. وفي لحظة كان يمكن أن تتحول إلى نافذة للمراجعة والتهدئة، فضّل الثنائي لغة العناد، متجاهلًا رسائل التطمين التي صدرت عن قوى مؤثرة، كوليد جنبلاط وسمير جعجع، اللذين أبديا حرصًا على أبناء الطائفة الشيعية، واستعدادًا لفتح قنوات سياسية لتجنيب البلاد مزيدًا من الانزلاق.

هذه الفرصة كان يمكن أن تؤسس لتسوية داخلية تمنع تداعيات أكبر، لكن إصرار الحزب – الذي ظهر جليًا عبر ماكينته الإعلامية – على إعادة إنتاج خطاب المواجهة المباشرة مع شخصيات وقوى لبنانية، عمّق الشرخ السياسي، وخلق مناخًا خصبًا لتوترات قد تتطور إلى مواجهات أمنية غير مباشرة.

 

المشهد الحالي

استمرار الثنائي في النهج التصعيدي قد يدفع نحو موجة توتر أمني غير معلنة، شبيهة بتلك التي سبقت محطات الاغتيال أو التفجير المفصلية في تاريخ لبنان. فالتشهير الإعلامي المستمر بشخصيات سياسية يرفع من مستوى التحريض، ويخلق بيئة مهيّأة لعمل أمني قذر قد ينفذه طرف ثالث، لكن مناخ التحريض يوفر له الغطاء المعنوي.

الاستخبارات الدولية والإقليمية تراقب هذا المشهد عن كثب. فلبنان اليوم ساحة مفتوحة على تداخل حسابات النفوذ الإقليمي، من التسويات الإيرانية–الخليجية، إلى الضغوط الغربية لفرض القرار 1701 عمليًا. وفي هكذا بيئة، أي خلل أمني – ولو محدود – قد يُستخدم كذريعة لتغيير قواعد اللعبة بالقوة، سواء عبر تدخّل أمني دولي موسّع أو عبر إعادة خلط الأوراق داخليًا.

 

مخاطر الإصرار على الأدوات نفسها

من منظور امني، استمرار الثنائي في الأسلوب القديم – التعبئة الإعلامية، استعراض القوة، وتجاهل التوازنات – يضعه أمام ثلاثة مخاطر متوازية:

العزلة الداخلية: خسارة التعاطف حتى داخل بيئته الحاضنة مع طول أمد الأزمات المعيشية، وفقدان القدرة على التحكم بالرأي العام.

الاستنزاف الأمني: ارتفاع احتمالات الاحتكاكات الموضعية أو الحوادث الأمنية المدروسة لقياس ردود الفعل.

 

الاستهداف الخارجي: استغلال خصوم إقليميين ودوليين لأي تصعيد كذريعة لإضعاف نفوذ الثنائي عسكريًا وسياسيًا.

 

الخروج من الحفرة

الخروج من هذه الحفرة يبدأ بتغيير المعادلة: خفض مستوى التحريض الإعلامي، والانخراط في مفاوضات داخلية جادة، والانفتاح على القوى السياسية المعارضة لنهجه، والتوقف عن تخوين كل معارض، وإظهار مرونة سياسية أمام المتغيرات الإقليمية، وفتح باب لتسوية داخلية مع خصوم الأمس، وفي مقدمتهم القوات اللبنانية. فالتسويات القادمة في المنطقة لن تنتظر لاعبًا يصر على خوض معارك الماضي، بل ستهمّش من لا يتكيّف مع قواعد اللعبة الجديدة.

أما البديل فهو البقاء في مسار انحداري، حيث يصبح الخطر الأمني–الاستخباراتي ليس احتمالًا، بل نتيجة حتمية.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى