حين تتخلّى الدولة عن دورها وتسقط المرجعيات في فخ السياسة

بقلم تادي عواد
في لحظةٍ وطنيةٍ مصيرية، كان يُنتظر من الدولة أن تتحمّل مسؤولياتها التاريخية في الدفاع عن السيادة وبناء مشروع الدولة، فإذا بها تتراجع، وتتخلّى طوعًا عن المبادئ التي قامت عليها، بدءًا بخطاب القسم، مرورًا بالبيان الوزاري، وصولًا إلى التعهدات المعلنة بشأن تفكيك السلاح غير الشرعي وإعلاء منطق المؤسسات. والمفارقة المؤلمة أن هذا الانحدار لم يقتصر على السلطة السياسية، بل تجاوزه ليبلغ أعلى المرجعيات الروحية، في موقف غير مسبوق.
فقد ربطت الدولة اللبنانية – في موقفٍ يعكس تخليًا عن السيادة – مسألة نزع سلاح “حزب الله” بشروط خارجية، منها انسحاب إسرائيل من خمس نقاط حدودية متنازع عليها، وإقرار خطة شاملة لإعادة الإعمار. هذا الربط بين السلاح والمساومات الجيوسياسية هو، عمليًا، شرعنة لهذا السلاح لا مسار لتفكيكه، ويُعدّ انقلابًا موصوفًا على الميثاق الوطني والشرعية الدولية التي تنصّ بوضوح على حصرية السلاح بيد الدولة.
والأخطر من ذلك أن هذا التراجع تكرّس أيضًا في موقف بكركي، التي كان يُعوَّل على ثباتها التاريخي في الدفاع عن الكيان والدولة. فقد خرج البطريرك الراعي بتصريحٍ مؤسف، تبنّى فيه موقف الدولة حيال سلاح “حزب الله”، زاجًّا بالكنيسة المارونية في نزاعٍ سياسي بالغ الحساسية، كان يجدر بها أن تنأى بنفسها عنه، لا أن تدخل فيه كشريكٍ في التخلي عن منطق الدولة.
أما على صعيد الفصائل الفلسطينية، فقد كشفت الدولة عن عجزها مرةً أخرى، حين أجّلت تنفيذ الاتفاق القاضي بتسليم سلاح هذه الفصائل – والذي تم التوصّل إليه في 16 حزيران – بحجة “الظرف الأمني” الناتج عن الحرب بين إسرائيل وإيران. أي أن الأمن القومي اللبناني بات رهينة اشتباكٍ إقليمي، والسلاح الفلسطيني باقٍ تحت عناوين “التفهّم” و”الصبر” و”المرحلة الحرجة”، وكلها تبريرات تعني في جوهرها: لا قدرة على التنفيذ، ولا نية للالتزام.
وبناءً على ما تقدّم، نقولها بوضوح: هذه المواقف لا تُمثّلنا، لا كأفراد، ولا كمواطنين في وطنٍ نريده سيّدًا، حرًّا، مستقلًّا. أنتم – في الدولة، كما في المرجعيات الروحية التي انحرفت عن دورها – لم تعودوا مؤهّلين للحكم، وعليكم التنحّي.
لقد آن الأوان لتشكيل سلطةٍ جديدة، قادرةٍ على اتخاذ قراراتٍ سيادية، وتحقيق ما عجز عنه من سبق. فكرامة الوطن لا تُدار بالوعود الكاذبة، ولا بالشروط المهينة، بل بالفعل السيادي والقرار الشجاع.