السفير الذي يعظ في ما لا يحق له!

بقلم هنري ضومط
لا يكاد تعليق يمرّ من حساب السفير السابق غبريال عيسى، إلا ويلفت الانتباه، ليس لعمقه أو اتزانه، بل لما يحمله من استسهال في تزوير الوقائع، وانتقائية لا تنجو من النفاق السياسي.
في آخر فصوله، قرر عيسى أن يُلقي محاضرة أخلاقية في الوطنية والسلاح، مدّعيًا أن من حمل السلاح أو دعم حامليه لا يحق له المطالبة بتسليمه أو التذمّر من استمرار فوضى السلاح. وكأن الرجل، في لحظة “تأمل”، نسي أن التاريخ لا يُقرأ بجمل إنشائية، بل بالوقائع، والوقائع تقول إن أقرب مَن تنطبق عليه تلك المواصفات، هو الجنرال الذي لم يكن سوى الأب الروحي لمسيرته السياسية: ميشال عون.
فمن تآمر على الدولة بدعم واضح وصريح من حافظ الأسد، كما أقرّ بذلك عبد الحليم خدام نفسه؟ من كانت تُمده دمشق بالسلاح والمحروقات، بينما هو يرفع شعار “التحرير” زيفًا ويغرق البلاد في وهم “حرب الإلغاء”؟
أليس هو عون، الذي عاد لاحقًا حليفًا لنظام الأسد، الذي كان يفترض أنه عدوّه؟ أليس هو مَن أعلن أنه يفتخر أن يكون “جنديًا في جيش الأسد”؟ ماذا نسمّي ذلك؟ شرف؟ أم خيانة موصوفة؟
وإذا أردنا المزيد من التذكير، بما أن السفير السابق يحبّ العظات، نذكّره بأن ميشال عون كان على خلاف دائم مع قادة الجيش اللبناني، من فيكتور خوري وإبراهيم طنوس، وصولًا إلى ميشال سليمان، جان قهوجي، وجوزف عون. كيف لرجل هكذا تاريخه في الصدام مع المؤسسة أن يُنصّب نفسه يومًا رمزًا للشرعية؟
المرّة الوحيدة التي اصطدم فيها “حملة السلاح” كما سمّاهم عيسى مع الجيش اللبناني كان في فترة قيادة عون للجيش، بعد أن قام عون بكل شيء خدمة لتحقيق أهداف حافظ الاسد. أما غير ذلك فما يجمع الجيش اللبناني بمن يقصدهم عيسى في موقفه هو القتال المشترك من أجل القضية اللبنانية في وجه الاحتلال السوري والفصائل الفلسطينية المسلّحة التي أرادت ضرب الكيان اللبناني واقتلاعه من جذوره.
الوقاحة لا تكمن في المواقف السياسية المتقلّبة، فذاك صار عرفًا في هذا البلد، بل في تقديم الذات كمُعلّم للأخلاق الوطنية، بينما تاريخك السياسي ومواقفك “السفيرية” ليست إلا امتدادًا لنهج لا يعترف بالدولة إلا حين تكون مطواعة، ولا يرى في السيادة إلا أداة للاستخدام الموسمي.
غبريال عيسى لا يغرّد خارج السرب، بل يغني النشاز في جوقة تستثمر في النسيان. لكنه ينسى أن اللبنانيين، حتى حين يصمتون، لا يُصابون بفقدان الذاكرة.
فمن شاء أن يتحدث عن الدولة والسلاح والسيادة، عليه أولًا أن يحسم موقفه من من دعموا السلاح خارج الشرعية، لا أن يُمارس البهلوانيات السياسية على حساب الحقيقة.
هل يجرؤ “سعادة السفير” على كتابة موقف واحد يقول فيه إن سلاح حزب الله خارج الدولة، ويجب أن يُسلّم؟
إذا فعل ذلك، يمكن حينها أخذه على محمل الجد. أما قبل ذلك، فكل ما يقوله لا يتعدّى حدود العَرض السياسي الرديء.