هل تنهي الولايات المتحدة مهمة “اليونيفيل” في جنوب لبنان؟

تتجه الأنظار مجددًا نحو الجنوب اللبناني، بسبب تقارير إعلامية إسرائيلية أفادت بأن الولايات المتحدة وإسرائيل تسعيان إلى إنهاء تفويض قوات “اليونيفيل” التابعة للأمم المتحدة، في خطوة وُصفت بأنها قد تُحدث تحولًا جذريًا في المشهد الحدودي اللبناني ـ الإسرائيلي.
مصدر الخبر ودلالاته
صحيفة “يسرائيل هيوم” الإسرائيلية كانت أول من نقل هذه المعلومات، مشيرة إلى وجود “تفاهم أميركي ـ إسرائيلي” على عدم تجديد تفويض قوة اليونيفيل الذي ينتهي في أغسطس/آب 2025. ورغم غياب التأكيدات الرسمية حتى الساعة من قبل وزارة الخارجية الأميركية أو الأمم المتحدة، فإن توقيت التسريب ومصدره يضعان احتمال وجود نية حقيقية لدى واشنطن في مراجعة دور هذه البعثة الأممية.
من يقرر مستقبل اليونيفيل؟
رغم ثقل الولايات المتحدة وتأثيرها داخل مجلس الأمن، فإنها لا تستطيع بمفردها إنهاء مهمة اليونيفيل. فالقوة أُنشئت بقرار أممي (رقم 425 عام 1978) وعُدّلت مهمتها لاحقًا بقرار 1701 عام 2006، ويُشترط لتجديدها تصويت إيجابي من 9 أعضاء على الأقل من أصل 15 داخل مجلس الأمن، دون أن يستخدم أي من الأعضاء الدائمين (ومنهم أميركا) حق النقض الفيتو.
بالتالي، يكفي أن تستخدم الولايات المتحدة الفيتو ضد مشروع تجديد التفويض لتسقط العملية برمتها، ما سيؤدي عمليًا إلى انتهاء المهمة تلقائيًا بحلول الموعد المحدد دون الحاجة إلى “قرار بإنهائها”.
ماذا يحدث بعد إسقاط التفويض؟
في حال لم يُجدّد تفويض اليونيفيل، تبدأ الأمم المتحدة إجراءات تفكيك البعثة وسحب قواتها البالغ عددها نحو 10,000 جندي من أكثر من 40 دولة، وهو سيناريو لم يشهده الجنوب اللبناني من قبل.
الحسابات الإسرائيلية ـ الأميركية
تشير بعض المصادر الدبلوماسية إلى أن إسرائيل باتت تعتبر أن وجود اليونيفيل يقيّد حركتها العسكرية في جنوب لبنان دون أن يحدّ فعليًا من تعزيز حزب الله لقدراته. ويبدو أن الولايات المتحدة، التي طالما دافعت عن استمرار القوة، بدأت تراجع موقفها تحت ضغط سياسي داخلي وتحالفاتها الإقليمية.
القرار الأميركي المحتمل قد يُستخدم كورقة ضغط على الدولة اللبنانية وحزب الله معًا، وهو رسالة موجهة بالدرجة الأولى إلى السلطة اللبنانية، بسبب تقاعسها عن الوفاء بالتزاماتها بتجريد حزب الله من سلاحه، في ظل التصعيد المستمر جنوبًا.
مواقف دولية متباينة
أوروبا، خصوصًا فرنسا وإيطاليا، تساهم بشكل كبير في تمويل وانتشار قوات اليونيفيل. ومن المرجّح أن تعارض هذه الدول أي خطوات أحادية لإنهاء التفويض. أما روسيا والصين، فتميلان تقليديًا إلى رفض تقليص أو إنهاء أي مهمة أممية دون إجماع.
بالتالي، فإن معركة اليونيفيل قد تتحول إلى ساحة مواجهة دبلوماسية داخل مجلس الأمن بين القوى الكبرى.
خلاصة
إن إنهاء مهمة اليونيفيل، أو حتى التهديد بذلك، لا يعد مجرد إجراء بيروقراطي أممي، بل هو تحوّل استراتيجي في قواعد الاشتباك على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية.
الولايات المتحدة تملك أداة الفيتو، لكنها تتحمّل أيضًا مسؤولية ما قد ينجم عن انسحاب الأمم المتحدة من منطقة شديدة الحساسية أمنيًا.
وبين الضغط الإسرائيلي، والرفض الأوروبي، والمراوحة اللبنانية، تبدو الأشهر القادمة حاسمة ليس فقط في مصير بعثة دولية، بل في مستقبل الاستقرار النسبي جنوب لبنان.