بلدية حصرون: نموذجٌ ناجح للتنمية المستدامة في ظل الانهيار اللبناني

بقلم تادي عواد
في وقتٍ تتراجع فيه ثقة اللبنانيين بمؤسسات الدولة، وتتعمّق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، تبرز بلدية حصرون، في قضاء بشري شمال لبنان، كنموذج يُحتذى به في الإدارة الرشيدة والتنمية المحلية المستدامة. وذلك بفضل جهود رئيس البلدية المهندس جيرار السمعاني، الذي أثبت أنّ الإرادة والشفافية والتخطيط قادرة على إحداث فرق حقيقي حتى في أقسى الظروف.
تولّى السمعاني رئاسة بلدية حصرون في مرحلة مفصلية من تاريخ لبنان، وتميّز بأسلوب إداري صارم ومهني، يستند إلى العمل الميداني، والتواصل المباشر مع المواطنين، وتكريس مبدأ الشفافية في اتخاذ القرارات.
وبالتعاون مع المجلس البلدي، وضع السمعاني رؤية تنموية شاملة ارتكزت على تطوير البنية التحتية، وتحسين الخدمات الأساسية، وتعزيز السياحة والهوية الثقافية، إلى جانب تنظيم المجتمع المحلي وتفعيل مشاركة أبناء البلدة، من مقيمين ومغتربين، في دعم صمود بلدتهم.
إنجازات بارزة رغم التحديات
ورغم توقّف الدعم المركزي وعجز الدولة عن تمويل المشاريع، تمكّنت بلدية حصرون من تنفيذ سلسلة من المبادرات النوعية، أبرزها:
تأمين المياه عبر حفر بئر جديد أنهى أزمة استمرت لسنوات.
دعم الزراعة من خلال ترميم شبكات الري والبرك الزراعية.
ضبط أسعار الطاقة عبر تثبيت تسعيرة المولدات وفق جدول وزارة الطاقة.
حماية البنية السكنية بإنشاء قنوات لتصريف مياه الأمطار.
مهرجان الزهور: واحة سياحية واقتصادية
بات مهرجان الزهور الذي تنظمه حصرون سنويًا حدثًا محوريًا يجذب آلاف الزوّار من مختلف المناطق اللبنانية، ويجمع بين الجمال الطبيعي والحراك الاقتصادي. إذ يشكّل منصة لترويج المنتجات المحلية من حرف وزراعة، ويساهم في إنعاش السياحة البيئية والثقافية في البلدة.
معالجة ملف النزوح السوري بمسؤولية
وفي واحد من أكثر الملفات تعقيدًا، اعتمدت بلدية حصرون سياسة حازمة ومسؤولة تجاه ملف النزوح السوري، حيث:
منعت إقامة المخيمات العشوائية.
فرضت شروطًا صحية وإنسانية على السكن.
نسّقت مع الجهات الأمنية لتطبيق القانون دون المسّ بكرامة النازحين.
تمكين الشباب والنساء
وسعت البلدية إلى إشراك الفئات الشابة والنسائية في الشأن العام من خلال:
تأسيس مجلس بلدي شبابي يساهم في القرارات والمبادرات.
دعم لجنة المرأة في تنفيذ مشاريع اجتماعية وتنموية.
تنظيم ورش تدريبية على القيادة والإدارة المحلية.
تقدير دولي وتجربة مُلهمة
نالت بلدية حصرون ورئيسها تكريمًا من المركز العالمي للتنمية والثقافة والسلام، تقديرًا لمساهمتهما في نشر ثقافة التنمية المستدامة وتنظيم مهرجان الزهور. كما حظيت التجربة بتغطية إعلامية إيجابية واعتُبرت نموذجًا مضيئًا وسط مشهد الانهيار العام.
الإدارة المحلية كخط دفاع أول
تؤكّد تجربة بلدية حصرون أن المجالس المحلية قادرة على لعب دور محوري في مقاومة الأزمات الوطنية، من خلال تعبئة الطاقات المجتمعية، سواء من أبناء البلدة أو المغتربين، وتشجيع الإنتاج المحلي، وتعزيز السياحة الداخلية. كما تُثبت أن التنمية ليست حكرًا على الإمكانيات المالية، بل هي ثمرة رؤية واضحة، وجهد دؤوب، والتزام أخلاقي عالٍ.
وفي وقتٍ يطغى فيه الإهمال والفساد على مشهد العمل العام، تُقدّم حصرون درسًا في إمكانية التغيير من القاعدة، بفضل كفاءة إدارتها وصدق انتمائها لأهلها.