قراءة في خطاب نعيم قاسم: تحوّل في الخطاب أم إعادة تموضع؟
بقلم تادي عواد
جاءت كلمة الشيخ نعيم قاسم خلال تشييع حسن نصرالله محمّلة برسائل تحمل في طياتها دلالات عميقة، سواء على مستوى الخطاب السياسي أو على صعيد التموضع الاستراتيجي لحزب الله في المشهد اللبناني.
أولاً: التسليم بمرجعية الدولة في مواجهة الاحتلال
في خطوة لافتة، أكد الشيخ قاسم على دور الدولة اللبنانية في التعامل مع أي احتلال أو اعتداء خارجي، وهو ما قد يُفسَّر على أنه اعتراف ضمني بأن المواجهة العسكرية لم تعد خيارًا أحاديًا بيد الحزب، بل باتت مسؤولية وطنية تقع على عاتق المؤسسات الشرعية. هذا التحول، ولو كان نظريًا حتى الآن، يُثير تساؤلات حول مدى التزام الحزب فعليًا بهذه المرجعية، خاصة في ظلّ تجربته السابقة التي لطالما تجاوز فيها مؤسسات الدولة.
ثانيًا: إعلان الاستمرار في المقاومة ولكن بوسائل غير عسكرية
الإشارة إلى أن “المقاومة مستمرة” ولكن من دون الطابع العسكري تمثل انعطافة هامة. فبعد عقود من العمل المسلح، يبدو أن الحزب يضع الأسس لمرحلة جديدة تعتمد على أدوات مختلفة، قد تشمل العمل السياسي والإعلامي والاجتماعي. غير أن غياب أي تحديد دقيق لطبيعة هذه المقاومة يترك الباب مفتوحًا أمام تأويلات متعددة، ويثير تساؤلات حول مدى ارتباط هذا التوجه بموازين القوى الداخلية والإقليمية.
ثالثًا: الانضواء تحت سقف اتفاق الطائف والتسليم بلبنان كوطن نهائي
إن تأكيد الالتزام بالطائف والاعتراف بلبنان كوطن نهائي لجميع أبنائه يمثّل، على المستوى النظري، خطوة نحو خطاب أكثر وطنية وأقل طائفية. غير أن هذا الإعلان، على أهميته، لا بد أن يُترجم بممارسات عملية تعكس التزامًا فعليًا بمفهوم الدولة الجامعة، بعيدًا عن منطق الدويلات والمربعات الأمنية.
ماذا عن الغياب شبه الكلي للعلم اللبناني؟
رغم هذا الخطاب الذي يحمل مؤشرات تحوّل، كان لافتًا الغياب شبه الكلي للعلم اللبناني في المناسبة، مما يعكس استمرار حالة الازدواجية بين الخطاب والممارسة. فلو كان الالتزام بالدولة اللبنانية نهائيًا وحقيقيًا، لكان من الطبيعي أن يحضر رمز سيادتها في لحظة يُراد لها أن تكون محطة مفصلية في إعادة التموضع السياسي.
خاتمة: خطوة أولى أم إعادة تموضع ظرفي؟
إذا كان هذا الخطاب بداية لمقاربة جديدة تُراعي خصوصية الواقع اللبناني، فإنها بلا شك خطوة تستحق التوقف عندها. لكن يبقى السؤال الأهم: هل هي مجرد مناورة سياسية تمليها الظروف، أم أنها تعكس تحولًا جوهريًا في نهج الحزب؟ الإجابة ستتضح من خلال الأفعال، وليس فقط عبر التصريحات.
