تحليل موضوعي لحالة سعد الحريري وتيار المستقبل: الواقع والمستقبل السياسي
بقلم تادي عواد –
منذ إعلان سعد الحريري انسحابه من الحياة السياسية في يناير 2022، مرّ تيار المستقبل بمرحلة تراجع ملحوظة، حيث انعكست هذه الخطوة على قاعدته الشعبية وأدائه في الانتخابات النيابية عام 2022. وقد أدى غيابه إلى تشتت الأصوات السُّنية وفتح المجال أمام قوى أخرى لملء الفراغ، وأبرز هذه القوى:
نجيب ميقاتي والنهج التوافقي: عزز ميقاتي حضوره كأحد القيادات السُّنية التي تتمتع بعلاقات جيدة مع مختلف القوى الداخلية والخارجية.
ظهور شخصيات مستقلة جديدة: تمكن نواب سُنة مستقلون من دخول البرلمان نتيجة الفراغ الذي تركه تيار المستقبل.
صعود الإسلاميين المدعومين إقليميًا: خصوصًا في الشمال، حيث برزت شخصيات محسوبة على تيارات إسلامية تحاول استغلال هذا الفراغ.
تغلغل “حزب الله” في الحصة السُّنية: مع غياب الحريري، اختلّ التوازن السياسي، مما سمح للحزب بتعزيز نفوذه داخل الطائفة السُّنية عبر شخصيات محسوبة عليه.
– أسباب أفول تيار المستقبل
هناك عدة أسباب رئيسية ساهمت في تراجع تيار المستقبل، أبرزها:
فقدان الدعم السعودي والخليجي: كان التيار يعتمد بشكل كبير على الدعم الخليجي، خصوصًا من السعودية، لكن بعد خلافات مع الحريري، جفّت منابع التمويل، مما أثر على قدرته التنظيمية.
الأداء السياسي المتذبذب: اتسمت قيادة سعد الحريري بالتردد في اتخاذ القرارات الكبرى، والتنازلات المتكررة، خاصة أمام “حزب الله”، مما أفقده ثقة جمهوره السُّني، كما أفقده ثقة القيادة السعودية.
خسارة الحلفاء وإضاعة البوصلة: بدلًا من لوم السعودية على تخليها عنه، لجأ الحريري إلى إلقاء اللوم على حلفائه، واصفًا إياهم بالخونة، كما اتهم حزب “القوات اللبنانية” بالغدر، ما أدى إلى فقدان دعم القوى المسيحية الحليفة.
الأزمة الاقتصادية في لبنان: أثرت الأوضاع المالية الصعبة، إلى جانب خروجه من السلطة، على تيار المستقبل، حيث انهارت الشبكة الخدماتية التي كان يعتمد عليها في كسب الولاءات.
الانسحاب المفاجئ من السياسة: أدى قراره إلى إحباط أنصاره وشعورهم بالخيانة، مما دفع البعض للبحث عن بدائل سياسية أخرى.
– هل يمكن لسعد الحريري العودة إلى المشهد السياسي؟
رغم تراجع حضوره، فإن عودته ليست سهلة وتواجه عدة تحديات، أبرزها:
الموقف السعودي: حتى الآن، لا تبدو السعودية متحمسة لعودة الحريري، بل تفضّل دعم شخصيات أخرى.
البيئة السُّنية المنقسمة: بعد غيابه، لم يعد هناك زعيم سُني واحد يسيطر على المشهد، مما يجعل إعادة توحيد القاعدة الشعبية أمرًا صعبًا.
ضعف التمويل: بدون دعم مالي قوي، لن يكون بإمكانه إعادة تشغيل ماكينة تيار المستقبل.
إعادة جمع الحلفاء: بعد أن هاجم “القوات اللبنانية” في الانتخابات النيابية الأخيرة واتهمها بالخيانة والغدر، وجد نفسه معزولًا سياسيًا، رغم أن السعودية تعتمد على أجهزتها الخاصة في تقييم الأوضاع في لبنان، وليست بحاجة لتوصياته أو تقييماته.
استمرار النفوذ الإيراني و”حزب الله”: في ظل الهيمنة السياسية للحزب، فإن أي محاولة عودة للحريري ستتطلب موقفًا أكثر حسمًا تجاهه، وهو أمر لم يثبت قدرته عليه في السابق.
– السيناريوهات المحتملة
العودة الجزئية والمحدودة: قد يحاول الحريري العودة من خلال دعم شخصيات محسوبة عليه دون أن يكون في الواجهة مباشرة، خاصة في الانتخابات المقبلة.
التخلي لصالح قيادة جديدة: قد يقرر دعم شقيقه بهاء الحريري أو شخصية أخرى من التيار، رغم ضعف فرص نجاح هذا الخيار.
الابتعاد نهائيًا: إذا استمرت الظروف الحالية، قد يفضل الحريري البقاء خارج السياسة، خاصة مع استمرار ضعف الدعم الخليجي له.
الخلاصة
تيار المستقبل في حالة تراجع، ولم يعد سعد الحريري الرقم الصعب كما كان في السابق. عودته ممكنة، لكنها مشروطة بتغييرات إقليمية ومحلية كبيرة، وأهمها تحسن علاقته بالسعودية، وإعادة بناء الثقة مع حلفائه الذين تضررت علاقته بهم بشكل كبير. كما يحتاج إلى تجديد خطابه السياسي وتعزيز قدرات تياره التنظيمية. وإلا، فسيظل دوره رمزيًا أكثر منه عمليًا في المستقبل السياسي للبنان.