شركة ليبان بوست: نموذج حي للفساد في لبنان
بقلم تادي عواد –
يمثل قطاع البريد أحد أهم المرافق العامة التي يفترض أن تقدم خدماتها بكفاءة وبأسعار معقولة للمواطنين. غير أن الوضع في لبنان يكشف عن مشهد مختلف تمامًا، حيث أصبحت شركة “ليبان بوست” وجهًا من أوجه الفساد الإداري والاقتصادي الذي يعاني منه البلد منذ عقود.
خدمات متردية وتكاليف باهظة
عند التوجه إلى مراكز شركة “ليبان بوست” لإرسال رسالة إلى الخارج، يفاجأ المواطن برفض الموظفين تقديم هذه الخدمة، ويتم توجيهه إلى شركات خاصة مثل DHL وARAMEX، التي تتقاضى رسومًا مرتفعة جدًا. هذا الإجراء يعكس غياب الحد الأدنى من الخدمات الأساسية التي يُفترض أن تقدمها شركة مكلفة بإدارة البريد الوطني، ما يضع علامات استفهام حول دورها الحقيقي وجدوى استمرارها في هذا القطاع الحيوي.
تأسيس الشركة وتطور العقود
تأسست شركة “ليبان بوست” عام 1998 بموجب عقد تلزيم لمدة 12 عامًا، لكن الأمور لم تسر وفق ما كان مخططًا لها. ففي عام 2001، عُدّل العقد ليصبح لمدة 15 عامًا قابلة للتجديد، وتم تمديده لاحقًا مرارًا وتكرارًا دون إجراء مناقصات شفافة. بحلول عام 2023، وبعد انتهاء صلاحية العقد الأصلي وعدم نجاح وزارة الاتصالات في تلزيم شركة جديدة، أُقرّ تمديد العقد مجددًا تحت ذريعة انتظار نتائج مزايدة جديدة.
التمديدات المتكررة وغياب الشفافية
شهدت الشركة ما لا يقل عن سبعة تمديدات متتالية لعقودها، جميعها تمت دون أي مناقصة علنية أو إعادة تقييم للأداء. هذه التمديدات تمت بموافقة استثنائية من مجلس الوزراء أو بعض المسؤولين، وهو ما أثار غضبًا شعبيًا واسعًا وانتقادات قانونية كبيرة، خاصةً في ظل استمرار الخدمات الرديئة وارتفاع كلفة التعامل مع الشركة، مما يضر بمصلحة المواطن والدولة معًا.
المخالفات القانونية والدستورية
من الناحية القانونية، يشير بعض الخبراء إلى أن التمديد لشركة “ليبان بوست” دون منافسة عادلة أو إعادة التفاوض حول شروط العقد يخالف المادة 89 من الدستور اللبناني، التي تشترط أن أي امتياز لاستغلال مورد عام يجب أن يُمنح بموجب قانون ولزمن محدد. هذا يعني أن استمرار الشركة في تشغيل قطاع البريد يمثل خرقًا صريحًا للدستور، ما يفتح الباب أمام دعاوى قانونية ومطالبات بإلغاء العقد واسترداد حقوق الدولة.
دعوات للإصلاح والمحاسبة
في ظل استمرار الفساد والمحسوبيات، تتزايد الدعوات الشعبية والسياسية لإجراء مناقصات شفافة وعادلة تتيح الفرصة أمام شركات جديدة لإدارة قطاع البريد بكفاءة وبتكاليف مناسبة. الهدف من هذه الخطوة هو كسر احتكار “ليبان بوست” المستمر منذ أكثر من عقدين ووضع حد للهدر المالي الذي تتكبده الدولة جراء هذا العقد المجحف.
خاتمة
إن ما يحدث في ملف “ليبان بوست” ليس إلا مثالًا صغيرًا على الفساد المستشري في العديد من القطاعات اللبنانية، وهو يعكس فشل الإدارة العامة في تحقيق أبسط حقوق المواطنين. ما يحتاجه لبنان اليوم هو نهج جديد يقوم على الشفافية، والمساءلة، والمصلحة العامة، بعيدًا عن المحسوبيات والاحتكار، لإعادة بناء الثقة المفقودة بين المواطن والدولة.