لبنان

كيف نحمي لبنان بعد سقوط نظام الأسد؟

لبنان، البلد الذي عانى طويلًا من التدخلات الخارجية والصراعات وحروب الآخرين على أرضه، يواجه اليوم منعطفًا حاسمًا في تاريخه مع سقوط نظام الأسد في سوريا. وبينما يشعر العديد من اللبنانيين بالارتياح لانتهاء عهد النظام الذي ارتكب انتهاكات جسيمة بحق لبنان وشعبه، يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن للبنان حماية استقراره وسيادته في مرحلة ما بعد الأسد؟

بعد سقوط النظام، ظهرت أصوات تحذر من أن القوى التي أطاحت به هي مجموعات متشددة، متجاهلةً أن جرائم نظام الأسد بحق لبنان وشعبه تفوق بأضعاف أي تدخل آخر. أعداد القتلى اللبنانيين نتيجة المواجهات مع النظام تتجاوز حتى تلك الناتجة عن الصراع مع العدو الإسرائيلي.

– شأن داخلي سوري

على لبنان أن يتبنى موقفًا واضحًا يؤكد أن ما يحدث في سوريا بعد سقوط الأسد هو شأن داخلي سوري. أي تدخل لبناني، سواء عبر دعم أحد الأطراف السورية أو استقبال شخصيات سياسية أو عسكرية هاربة، قد يجر البلاد إلى صراعات لا طائل منها.

الأولوية يجب أن تكون لحماية مصالح لبنان الوطنية من خلال اعتماد سياسة الحياد الإيجابي، التي تجنب البلاد التورط في أزمات إقليمية جديدة، وتحافظ على علاقاتها المتوازنة مع جميع الأطراف الدولية والإقليمية.

– ضبط الحدود عبر الجيش اللبناني

مع انهيار النظام السوري، تصبح الحدود اللبنانية-السورية مهددة بموجات جديدة من اللاجئين أو تسلل مجموعات مسلحة. لذلك، لا بد أن يكون الجيش اللبناني هو الجهة الوحيدة المسؤولة عن تأمين الحدود، دون تدخل أي ميليشيات أو أطراف خارجية.

إن إنشاء أبراج مراقبة حديثة بالتعاون مع دول مثل بريطانيا هو خطوة ضرورية لتعزيز الأمن ومنع التهريب والاختراقات. هذه الإجراءات لا تهدف فقط إلى حماية الحدود، بل إلى ترسيخ مفهوم السيادة الوطنية اللبنانية.

– وقف تدخل حزب الله في سوريا

تورط حزب الله في النزاع السوري ألقى بظلاله الثقيلة على لبنان، وأدى إلى تعقيد علاقاته الإقليمية والدولية. مع انتهاء مرحلة الأسد، يصبح من الضروري إنهاء مشاركة الحزب أو أي مجموعات لبنانية أخرى في الشأن السوري.

وقف تدخلات حزب الله من سوريا سيخفف الضغوط الدولية على لبنان، ويفتح المجال لترميم العلاقات مع الدول العربية والغربية، مما يدعم الاستقرار الداخلي ويعزز ثقة المجتمع الدولي بالدولة اللبنانية.

– رفض استضافة قيادات النظام السوري

قد يسعى بعض رموز نظام الأسد إلى اللجوء إلى لبنان للهروب من المحاسبة أو لإعادة ترتيب أوراقهم السياسية. على الدولة اللبنانية أن ترفض ذلك بشكل قاطع، تجنبًا لتحويل البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات أو مركز للضغوط الدولية.

لبنان بحاجة إلى أن يثبت التزامه بمبادئ القانون الدولي وسيادته الوطنية، من خلال اتخاذ موقف حازم يمنع أي طرف خارجي من استغلال أراضيه.

– تعزيز سلطة الدولة وتحرير الجيش

مع انتهاء نفوذ الأسد، تلوح فرصة ذهبية لتعزيز هيبة الدولة اللبنانية. يجب أن تكون الأولوية لتحرير الجيش اللبناني من الضغوط السياسية، لا سيما تلك التي يمارسها حزب الله، ليتمكن من أداء دوره في حماية الأمن الداخلي ومواجهة التحديات الخارجية.

جمع السلاح غير الشرعي من جميع المجموعات المسلحة، بما فيها ميليشيات حزب الله، هو خطوة أساسية لإعادة الاستقرار. هذا المسار يرسخ سيادة الدولة ويعيد بناء ثقة اللبنانيين بمؤسساتهم.

الخاتمة

سقوط نظام الأسد يمثل فرصة نادرة للبنان لإعادة ترتيب أولوياته الوطنية واستعادة سيادته الكاملة. من خلال النأي بالنفس عن الأزمات الخارجية، وحماية حدوده، وفرض سلطة القانون، يستطيع لبنان تمهيد الطريق نحو مستقبل أكثر أمانًا واستقرارًا.

هذه المرحلة تتطلب قيادة حكيمة قادرة على اتخاذ قرارات جريئة تعيد بناء الوطن على أسس العدالة والقانون، وتثبت أن لبنان قادر على النهوض مهما اشتدت التحديات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى