الثمن الباهظ لمغامرات حزب الله العسكرية والسياسية وتأثيرها على لبنان
بقلم تادي عواد
عانى لبنان طويلًا من تداعيات رهانات حزب الله السياسية ومغامراته العسكرية الإقليمية، التي كلفت البلاد أثمانًا باهظة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. هذه المغامرات، التي تنطوي على قرارات استراتيجية تتجاوز حدود الوطن، دفعت البلاد نحو أزمات عميقة وانقسامات داخلية، في ظل إصرار الحزب على الانخراط في صراعات خارجية دون اعتبار للأولويات الوطنية.
الأثر المدمر لمغامرات حزب الله السابقة
من أبرز الأمثلة على هذه المغامرات انخراط حزب الله في دعم غزة خلال الهجوم الإسرائيلي الأخير عليها، ما خلف أكثر من 5,000 قتيل، وأكثر من 10,000 جريح، ونزوح حوالي 1.2 مليون مواطن لبناني، إضافة إلى خسائر اقتصادية تجاوزت 10 مليارات دولار. لم تتوقف الأضرار عند هذا الحد، بل امتدت لتشمل تصفية قيادات سياسية وعسكرية، وإضعاف مؤسسات الدولة.
ورغم هذا الثمن الباهظ، يبدو أن الحزب لم يستخلص الدروس اللازمة، إذ يستمر في اتخاذ قرارات مشابهة تُظهر ارتهانه الواضح لمصالح إيران الإقليمية على حساب مصلحة لبنان، ما ينذر بمزيد من الكوارث.
الإصرار على المغامرة في الساحة السورية
مع تفاقم الأزمة السورية، اتخذ حزب الله قرارًا أحاديًا بالانخراط العسكري لدعم النظام السوري ورئيسه، متجاهلًا الإرادة الشعبية اللبنانية والأزمات الداخلية المتصاعدة. هذه المغامرة تهدد بجر لبنان إلى صراع إقليمي طويل الأمد، خاصة في ظل هشاشة الوضع الداخلي والانهيار الاقتصادي والسياسي الذي يعصف بالبلاد.
تورط الحزب في الأزمة السورية لم يخدم لبنان على أي مستوى. بل عمّق من عزلته إقليميًا ودوليًا، وأدى إلى تداعيات أمنية داخلية، وأثار استياءً واسعًا بين اللبنانيين الذين يدفعون ثمن سياسات لا تصب في مصلحتهم.
نتائج تغييب المصلحة الوطنية
على مرّ العقود، أثبتت سياسات حزب الله أن تغليب المصالح الإقليمية الإيرانية على المصلحة الوطنية اللبنانية يجرّ البلاد نحو الهاوية. المبررات المعتادة مثل “لو كنا نعلم” أو “لم نتوقع النتائج” لم تعد مقبولة، إذ إن التاريخ مليء بالأحداث التي أظهرت بوضوح أن انخراط الحزب في صراعات الآخرين يعود على لبنان بأضرار جسيمة.
هذه السياسات لم تقتصر على التأثير الاقتصادي فقط، بل دمرت أيضًا البنية الاجتماعية، وعمّقت الانقسامات الطائفية والسياسية، وزادت من انعدام الثقة بين الشعب والقوى الحاكمة.
الدعوة إلى الوعي السياسي والمصلحة الوطنية
في ظل هذا الواقع، لا يمكن للبنان أن يتحمل المزيد من مغامرات حزب الله. الحل الوحيد للخروج من الأزمات يكمن في الوعي السياسي وتقديم المصلحة الوطنية على أي اعتبار آخر. يجب على الحزب أن يدرك أن لبنان وطن لجميع أبنائه، وأن الحفاظ على سيادته واستقراره يتطلب الابتعاد عن أي ارتهان للخارج أو تورط في صراعات إقليمية.
مسؤولية الشعب والقوى السياسية
اليوم، تقع المسؤولية على عاتق الشعب اللبناني والقوى السياسية الوطنية في مواجهة مشروع حزب الله، الذي يهدد بجرّ لبنان نحو المزيد من الأزمات. يجب أن تكون هناك وقفة حازمة ضد أي مشروع يهدد لبنان، مع التأكيد على أن أي مغامرة جديدة يتحمل الحزب مسؤوليتها وحده، دون تحميل الوطن ككل نتائج قرارات غير محسوبة.
لبنان بحاجة إلى نهج جديد في التعاطي مع الأزمات، نهج يقوم على تغليب المصلحة الوطنية. وعلى حزب الله مراجعة سياساته، كما يتعين على القوى السياسية والشعب اللبناني التحرك لحماية ما تبقى من الوطن. دروس الماضي يجب أن تكون كافية لردع أي محاولات لتكرار الأخطاء. الوعي السياسي والتكاتف الوطني هما السبيل الوحيد للخلاص من الأزمات المتراكمة، وللحفاظ على ما تبقى من سيادة لبنان واستقراره.