لبنان بوابة حلم بوتين في الشرق الأوسط.. موسكو توقِّع اتفاقية مهمة مع بيروت أهدافها تتجاوز دعم بشار الأسد
منح التدخل الروسي في الحرب الدائرة بسوريا، فرصة ذهبية لموسكو في الشرق الأوسط لملء الفراغ الأمريكي بعد رغبة إدارة دونالد ترامب في الانسحاب من المنطقة، كما وجد هذا التدخل رغبة لدى بوتين للحفاظ على ما اكتسبه من مساعدة نظام الأسد، لكن الرئيس الروسي لديه طموح أكبر من ذلك عبَّرت عنه الصفقة الأخيرة مع لبنان.
وقالت صحيفة The Financial Times البريطانية إن روسيا تُوسِّع علاقاتها مع لبنان من خلال صفقات الطاقة وجهود الوساطة في السياسة الإقليمية، وذلك في سعيها لملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة الأمريكية مع انسحابها من الشرق الأوسط، والذي يعد حلماً للرئيس الروسي فلاديمر بوتين.
صفقة «روسنفت»
وبحسب الصحيفة البريطانية، تسارعت الجهود في الشهر الماضي يناير/كانون الثاني عندما وسَّعت شركة Rosneft الروسية للنفط الخاضعة لسيطرة الحكومة الروسية تواجدها في منطقة البحر المتوسط، عبر توقيع صفقة لإدارة وتحديث منشأة لتخزين النفط لمدة 20 عاماً في مدينة طرابلس، ثاني أكبر مدن لبنان.
وقال محللون ودبلوماسيون إنَّ الصفقة التي لم يُعلن عن قيمتها كانت أحدث دلالة على محاولات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتوسيع نفوذ موسكو، في الوقت الذي تُقلِّص فيه الولايات المتحدة وجودها في الشرق الأوسط.
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن الشهر الماضي يناير/كانون الثاني أنَّ الولايات المتحدة ستسحب قواتها من سوريا، التي تتشارك حدوداً مليئة بالثغرات وتاريخاً حافلاً بالمآسي مع جارتها الأصغر لبنان.
ومن جانبه، قال شوقي بونصار، السفير اللبناني لدى موسكو: «لقد ساعدت السياسة المتذبذبة لأمريكا في الشرق الأوسط روسيا على إيجاد طريق للدخول. فبعد أن بدأ الروس تدخُّلهم في سوريا عام 2015، كان الأمريكيون يتراجعون، إن جاز التعبير».
وقال مهند الحاج علي، من مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إنَّ روسيا «تملأ الفجوات، وتحاول أن تكون موجودةً في المنطقة».
مزيد من النفوذ الروسي في المنطقة
وسمحت محاولات موسكو لدعم النظام السوري بتوسيع الوجود الروسي العسكري وتحقيق الوصول إلى موانئ المياه الدافئة في سوريا، وهي أصولٌ لطالما رغبت فيها موسكو.
من المرجح أن يثير موقع منشأة التخزين تساؤلاتٍ حول ما إذا كانت روسيا ستستخدمها لإخفاء إمدادات الوقود إلى سوريا، وهو نشاط سعت وزارة الخزانة الأمريكية إلى إحباطه باستخدام العقوبات الاقتصادية.
تقع مدينة طرابلس اللبنانية على بُعد 30 كيلومتراً فقط من الحدود السورية على الطريق البري، وعلى بُعد 60 كيلومتراً من ميناء طرطوس الخاضع للسيطرة الروسية، وهو المركز البحري الوحيد لموسكو على البحر المتوسط. وقد أدرجت عددٌ من الناقلات، التي تنقل الوقود من روسيا إلى سوريا ونظام بشار الأسد، وجهتها إلى «لبنان» على أنظمة المراقبة العالمية بالأقمار الصناعية قبل أن تغلق أجهزة الإرسال والاستقبال بالقرب من الساحل السوري.
وقال شهاب المكلا، الرئيس التنفيذي لمجموعة «المكلا» الاستشارية، إنَّ بوتين كان «مهتماً بكسب النفوذ بدلاً من إيجاد حلول حقيقية لقضايا مُلحّة».
وأضاف أنَّ «انخراط روسيا عادةً ما يدير الصراعات بدلاً من أن يحلّها، إذ إنَّه من أجل فعل ذلك، ينبغي أن يكون ثمة تعاون واسع النطاق مع الولايات المتحدة»، بحسب الصحيفة البريطانية.
دور لبنان الإقليمي
لطالما كانت لبنان نقطة ارتكاز للصراعات الإقليمية على النفوذ، وقد وجد قادة البلاد أسباباً للتودُّد إلى الكرملين.
وأوضح مهند الحاج أنَّ أحد هذه الأسباب هو أنَّ بيروت ترغب في وساطة روسيا لدى دمشق مع قرب انتهاء الحرب. وقال: «تستطيع روسيا، وفقاً للتصورات اللبنانية، المساعدة في إدارة العلاقة مع سوريا وتنظيمها، وهي علاقة اتَّسمت بالدموية في الماضي».
احتلَّت سوريا لبنان لمدة ثلاثة عقود تقريباً. وبعد انسحابها في عام 2005، أُلقي باللوم على دمشق في عمليات الاغتيالات السياسية، التي هزَّت بيروت في عامَي 2005 و2013.
وعلى الرغم من أنَّ الوضع في جزءٍ كبير من سوريا لا يزال خطيراً، عرضت موسكو أيضاً مساعدة بيروت على تسهيل عودة اللاجئين السوريين. إذ وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يوجد 950 ألف لاجئ سوري مسجلين رسمياً في لبنان، لكن ثمة تقديرات أخرى تشير إلى ارتفاع العدد إلى 1.5 مليون.
اتّجهت لبنان إلى موسكو لمساعدتها في مشاكل محلية أخرى. إذ أشار بونصار، السفير اللبناني لدى موسكو، إلى أنَّه بينما كافح رئيس الوزراء المُعيّن سعد الحريري لتشكيل حكومة بعد الانتخابات في مايو/أيَّار 2018، ضغط مبعوثون روس على الحلفاء في إيران وسوريا ليضغطوا على شركائهم السياسيين في لبنان لإنهاء هذا المأزق،. وقال بونصار: «حثَّ الروس حلفاءهم في إيران وسوريا على تسهيل عملية تشكيل الحكومة أو المساعدة في تسهيلها»، بحسب الصحيفة البريطانية.
الأمر ليس سهل المنال!
وأنهت مؤسسة الرئاسة في لبنان أشهراً من الجدال والمشاحنات من خلال الإعلان عن تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة في وقت متأخر من يوم الخميس 31 يناير/كانون الثاني.
ومع ذلك، لا يبدو توسيع النفوذ الذي تطمح إليه روسيا في لبنان أمراً سهل المنال؛ إذ قالت منى سكرية، استشارية إدارة المخاطر والمؤسسة المشاركة لشركة Middle East Strategic Perspectives الاستشارية: «على جبهة الأمن والدفاع، واجهت روسيا مقاومةً مُحدّدة». وأضافت أنَّ الاتفاق المقترح بشأن التعاون العسكري بين البلدين «تأجَّل مراراً بسبب ضغوطٍ من شركاء تقليديين يدعمون القوات المسلحة اللبنانية»، بحسب الصحيفة البريطانية.
يتلقّى لبنان مساعداتٍ عسكرية بقيمة ملايين الدولارات من الدول الغربية، التي تريد منع امتداد الحرب الأهلية السورية إلى لبنان، وتعزيز الجيش اللبناني لموازنة القوة العسكرية الكبيرة لحركة حزب الله اللبنانية، الجماعة شبه العسكرية المدعومة من إيران.
لكنَّ بعض الحلفاء الغربيين استجابوا بغضب تجاه القرض المقترح بقيمة مليار دولار من موسكو لشراء أسلحة. وغُيِّرَت الصفقة في النهاية إلى شحنات ذخيرة موجّهة إلى قوات وزارة الداخلية اللبنانية بدلاً من الجيش.
بالإضافة إلى الدفاع، تضاعف حجم التجارة بين روسيا ولبنان من 423 مليون دولار في عام 2016 إلى حوالي 800 مليون دولار في العام الماضي، ويُهيمن على التبادل التجاري بينهما صادرات الطاقة الروسية.
البحث عن الاستثمارات
في هذه الأثناء، يريد لبنان إظهار أنَّه ما زال بإمكانه جذب استثماراتٍ أجنبية مثل صفقة شركة Rosneft، وكذلك روسيا لديها مصلحة استراتيجية في الحصول على موطئ قدم في قطاع النفط والغاز المتنامي في شرق البحر المتوسط. وقال إيغور سيتشين، الرئيس التنفيذي للشركة: «سيتيح الاتفاق لشركة Rosneft تعزيز وجودها في المنطقة».
جديرٌ بالذكر أنَّ شركة «نوفاتيك» الروسية المنتجة للغاز كانت قد فازت بحصة 20% في العام الماضي لاستكشاف النفط والغاز في موقعين في المياه اللبنانية. وستُعرَض المزيد من المواقع في المزاد العلني في عام 2019.
لكنَّ بعض النشطاء اللبنانيين أثاروا مخاوف حول صمت وزارة الطاقة والمياه بشأن شروط العقد المُبرم مع شركة روسنفت Rosneft، والتي ينبغي إعلانها وفقاً لتشريعٍ صدر في العام الماضي.
وقالت ديانا القيسي، المديرة التنفيذية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز، وهي منظمة مجتمع مدني تضغط لفرض معايير أعلى في قطاع النفط والغاز: «إنَّنا ندرك تماماً البعد السياسي للصفقة، مما يزيد من ضرورة تحليها بالشفافية. يجب ألا يكون هذا القطاع جزءاً من اللعبة السياسية».