ليس الواقع الإيراني واقعًا أخلاقيًا، أو واقع قلة أخلاق. إنه واقع أعقد من ذلك بكثير.
بعد سقوط نظام الشاه، دخلت البلاد بحرب ضد العراق، طوَّلها نظام الملالي إلى درجة أنه استفاد منها بطرقه الخبيثة.
تمكن بتلك الحرب من قتل أكثر من مليوني جندي إيراني، ومئات الآلاف من الأسرى.
كانت أجهزة مخابراته تنسق مع مخابرات الدول التي كانت تعد خطة إسقاط العراق.
في الوقت المناسب، تم وقف أطلاق النار وإنهاء الحرب، وانقلبت أمور الواقع الإيراني رأسا على عقب.
فالذين ظلوا صامتين في زمن الحرب العراقية الإيرانية خشية اتهامهم بالخيانة، باتوا أكثر حذرا بعد إطلاق يد نظام الملالي في العراق.
كان حذرهم في محله.
فقد نسي النظام الإيراني دولته وشعبه بالكامل، وانقلب إلى جهاز مخابرات ومافيا، تحاول الاستثمار في أوراق وملفات في المنطقة، تحت غطاء الملف النووي الإيراني.
الشعب الإيراني يعرف وجيدا وحقيقة أن الملف النووي الإيراني كذبة لا تقل عن كذبة ملف الكهرباء اللبناني.
تنفق أموال بحجة هذا الملف، وتدخل حسابات رجال السلطة الفاسدة هناك، أمنين وسياسيين، أعداد هائلة من أُسَر قتلى الحرب، وأسراها ومعاقيها باتوا في مازق كبير.
والذي يريد أن يسأل عن مصدر، بإمكانه قراءة بعض الروايات الأدبية العربية والفارسية المترجمة التي تناولت الموضوع. منها خطف الحبيب للروائي الكويتي طالب الرفاعي.
دخلت العقوبات بيت كل مواطن.
كنت في اسطنبول، صادفتني امراة سبعينية غير محجبة، كنت أمارس رياضة المشي. كلمتني بلغتها المصحوبة بالإشارة فهمت أنها جائعة، قدمت لها عشرة ليرات تركية، ما يعادل دولارًا، كانت جدًا ممتنة.
هناك قابلت العشرات من الفارين من الجوع، وجالست مثقفين حدثوني عن الخطط الممنهجة لتفريغ المجتمع الإيراني من العقل المنتج، وإلحاقه بالعمامة والملالي.
دخلت مواقع التواصل الاجتماعي على الخط، الإيراني يتواصل مع العالم، يرى ويشاهد ويسمع ويحلل.
كان لا بد أن يصل الحال إلى مستوى ثورة.
ليس الأمر مجرد مقتل فتاة على يد شرطة الأخلاق.
بات الأمر خيارات مصيرية تتعلق بمستقبل الشباب، وتجعلهم يفاضلون بين الموت والحياة التي يرضخون إليها.
اختزلت الحريات إلى مستوى لا يطاق، واستبدل العديد من الجوانب الثقافية والإبداعية بالدروس الدينة.
بدأ كثير من الأهل يلحظون المشكلة في بيوتهم وعلى ابنائهم.
وكثير من الأبناء ما عاد يحتمل توجيهات الآباء التي لا تخدم طموحاتهم.
كان لا بد أن تتفجر ثورة.
ليخبر الشعب الإيراني العالم بأنه ليس مختلفًا عن غيره من شعوب الأرض.
ليحكي عن جوعه وحرمانه وكتم أنفاسه.
ليجري الشعب الإيراني مراجعات عميقة، فيقرأ طروحات المعارضة الإيرانية منذ أيام محمد رضى بهلوي، إلى مجاهدي خلق، فالشيوعيين والعلمانيين وغيرهم.
ليستيقظ الإيراني غير الفارسي على مقارنة شعار نظامه ” تحرير القدس وفلسطين”
ويحتل في الوقت نفسه الأحواز العربية ومناطق الأكراد والبلوش الساعين إلى التحرر منذ عقود.
كان ذلك النظام نسخة دينية طائفية تمهد الطريق لشرعنة كيان يهودي في المنطقة.
لم ينجح ذلك النظام في إسكات الأقليات الدينية وقمعها، ولم ينجح في توظيفها.
لذا كانت الثورة.
والثورة في إيران لا شك منتصرة، وإن حلت عشرات الأجهزة، فلن يغير ذلك واقع عجز نظام الملالي عن إدارة دولة مدنية تقدم ما عليها من واجبات، وتحصل على كل ما لها من حقوق.
عمر سعيد