إتَّقِ الله يا سعد
كتب بشارة شربل في الجمهورية:
لا شك في أن الرئيس سعد الحريري “زاد في الرقة…”. فمساعيه لإضفاء طابع “المقاطعة” على استنكافه عن المشاركة في الانتخابات النيابية وصلت حدوداً باتت تستدعي من سماحة المفتي أولاً، ومن سائر القيادات السنية السيادية ثانياً، ومن جمهور “الحريرية السياسية” أولاً وأخيراً، أن يقولوا له “كفى لعباً… يا شيخ”.
فهمنا وشبعنا فهماً أنك يا دولة الرئيس أقوى زعيم سني في لبنان. وكنا نريد أن تستمرّ كذلك لأن ما اجتمع فيك من صفاتٍ وطنية وشخصية وطاقة ايجابية ومحبة الناس أهَّلك لاستحقاق القيادة رغم العثرات وسوء الحسابات، وكان يمكن أن يطور تجربتك لمصلحة النهوض من حفرة الانهيار. لكنك مع الأسف، اخترت الإنكفاء مرفقاً بخطيئة جرّ جمهورك الى ملعب عبثي يريح الذين تتهمهم بقتل والدك. قامت 14 آذار كي لا يفلت هؤلاء من العقاب بالتزامن مع تحقيق “الاستقلال الثاني” واستعادة القرار الحرّ.
أسوأ ما في ذكرى 14 آذار اليوم أن تستعاد فيما توجه الطعنة الأخيرة يا دولة الرئيس الى إنجاز تاريخي حققته دماء رفيق الحريري وهو اجتماع أكثرية “أهل السنة” على “لبنان أولاً” وشراكتهم في السراء والضراء مع سائر المكونات تحت ظل هذا العنوان. وأنت تعلم بالتجربة المرة والتضحيات الجسام أن المسار شاق وطويل ولا يحتمل أن يتحول “الحَرَد” سياسةً سلبية مؤذية، والشعور بالمرارة أنانيةَ “مِن بعدي الطوفان” أو عدوانيةَ “عليَّ وعلى أعدائي”.
قرارك الشخصي يا دولة الرئيس بالامتناع “حق سيادي” لا ينازعك فيه مناصرٌ أو خصم، لكن حرمانك “تيار المستقبل” من المشاركة “شأنٌ عام” يجعلك مداناً بتحويل الولاء والوفاء ملكاً شخصياً واستغلالهما في توجيه رسالة مفادها: “طالما انكم غير راضين عني فاعلموا أنّ الطائفة السنية في جيبي وسأسلّم أكثرية ممثليها وثلثي مجلس النواب لعدوكم حزب الله”.
دولة الرئيس، ودَّعت اللبنانيين بكلمةٍ عاطفية ومشهد درامي. ليس لأحدٍ مجادلتك في قرارك الشخصي ويأسك من التغيير. ولكنَّ دفعَك تيارك الى مجاراتك خلافاً لرغبة أكثريته يُنافي واجب طرفٍ أساسي في تحمل مسؤولية المواجهة على المستوى الوطني. لا يليق بك الضغط على الحريريين غير الحزبيين الراغبين بالترشح ورميهم بسهام التخوين وتجنيد نفوذك لثنيهم عن التجاوب مع دعوة وطنية وشرعية للمشاركة أطلقها سماحة المفتي ورؤساء الحكومات بالتحديد، معلَّلةً بأسبابٍ تسمو على الحسابات الشخصية والانتخابية.
دولة الرئيس. لنكن واضحين. استنكافك عائدٌ لحساباتك الشخصية. انتَ فضلت بملء ارادتك إعادة بناء ثروتك والاحتفاظ بـ “شعرة معاوية” خليجية على البقاء زعيماً لطائفتك كرؤساء حكومات لم يكونوا أثرياء. رجاءً لا تقنع الناس بأنّ قرارك تسليم الأكثرية الى “حزب الله” ذكاءٌ استثنائي سيغرقه في المسؤولية ويعود عليه بالوبال لترجع على حصان أبيض مكللاً بالغار. أنتَ تعلم تماماً أن الخراب العميم هو ملعب الحزب الأثير، وأن سياسة القضم والهضم لن تترك لك مجالاً لاستعادة “ملك مُضاع”. فلا تتوهّم ولا تروّج للأوهام.
لا شيء في ذكرى 14 آذار أهم من التأكيد على ثوابت السيادة والاستقلال واحترام دستور الطائف والاستحقاقات الديموقراطية وإرادة الناس. وأنت يا دولة الرئيس، بحملتك ضد الانتخابات، تضرب هذه الثوابت بالتوازي مع انهاكك الحريرية السياسية وإضعافك مشروع الاعتدال. وبصراحة كلية أنت لست أدرى من المفتي دريان، ولا أفهم من الرئيس السنيورة، ولا أكثر حكمة من الرئيس سلام، ولا أمكر من الرئيس ميقاتي. لذلك كُفَّ عن تخريب المشاركة بالاقتراع بعدما “أديت قسطك للعلا” بتخريب الترشيحات.