الغاز الإسرائيلي ينير شوارع لبنان لكن إيران لن تغادره قريبا
سيتم استخدام الغاز الطبيعي الذي تبيعه إسرائيل للأردن لتوليد الكهرباء للبنان، لكن هذا لا يعني أن السلام العالمي وشيك، أو أن إيران تتراجع من لبنان أو سوريا.
زفي باريل _ صحيفة هآرتس 20 كانون الثاني، 2022
ترجمة صوفي شماس
سارعت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى بث خبر عن اتفاق يُزعم أنه تم توقيعه بين إسرائيل ولبنان لبيع الغاز الطبيعي الإسرائيلي لجارتها الشمالية. حتى أن التقرير المنشور على موقع إن12 الإخباري الإسرائيلي نجح في حثّ الإدارة الأمريكية على إنكار وجود مثل هذه الصفقة بشدة، لكن الخبر لا يزال تأثيره يتنامى أكثر فأكثر.
في تشرين الأول تم بالفعل توقيع اتفاقية لشحن الغاز الطبيعي المصري والكهرباء الأردنية إلى سوريا ومن هناك إلى لبنان. وتنص الاتفاقية على نقل الغاز عبر خط الغاز العربي الذي يمتد من سيناء عبر العقبة في الأردن إلى مدينة حمص السورية ومن هناك إلى لبنان. في الوقت نفسه، ومع إعادة بناء خطوط الكهرباء من الأردن إلى سوريا ولبنان، ستبيع الأردن الكهرباء للبنانيين.
تفاوضت مصر والأردن وسوريا ولبنان والولايات المتحدة على مسودة الخطة في تموز، وكان من الواضح لجميع الأطراف المعنية أن الولايات المتحدة ستطلب منح الأطراف الأخرى إعفاء من العقوبات المفروضة على سوريا. إضافة إلى ذلك، تم الاتفاق على أن تحصل سوريا على تخفيض بنسبة 10 في المائة على الغاز المصري و8 في المائة على الكهرباء التي تمر عبر أراضيها.
سلّمت الولايات المتحدة بالفعل مصر والأردن رسالة تطمئن فيها البلدين وتؤكد على عدم القلق من انتهاك العقوبات ضد سوريا في توفير الغاز والكهرباء. بل سيتعين عليهما فقط انتظار أعمال تأهيل خط أنابيب الغاز على المدى السوري والجزء الذي يمتد من حمص إلى لبنان، غير المتصل بخط الغاز العربي.
انضمت إسرائيل إلى المراسلات، لكنها لم تكن أبدا طرفا في الاتفاقية. حتى في وقت سابق عندما كان يتم التفاوض على الصفقة، انتشرت قصص مثيرة في وسائل الإعلام العربية حول كيف يمكن للغاز الطبيعي الإسرائيلي أن ينير شوارع لبنان. حتى أن خبير الطاقة ماثيو زايس كتب مقالا على موقع المجلس الأطلسي على الإنترنت في تشرين الأول ذكر فيه أن الغاز الإسرائيلي سيوفر الإضاءة لمقر زعيم حزب الله حسن نصر الله.
الغاز الطبيعي في حالته الطبيعية عديم الرائحة واللون. يستخدم الغاز الذي تبيعه إسرائيل إلى الأردن لتوليد الكهرباء – وبعضها سيتم توفيره أيضا للبنان – لكن إسرائيل والأردن، وكذلك لبنان، ليست أطرافا في اتفاق من شأنه عزل الغاز لضمان أن الغاز الإسرائيلي لا يُستخدم لتوليد الكهرباء الأردنية المتجهة إلى لبنان. هذا ببساطة لأنه لا توجد طريقة عملية للقيام بذلك.
سيتم دفع ثمن الغاز من خلال صندوق النقد الدولي، الذي لم يحل بعد مشكلة سداد القرض الذي سيُمنح للبنان. الحكومة اللبنانية هي عبارة عن مفهوم غير منظم. إنها لا تعمل وليس هناك ثقة بأنها ستسدد ديونها. الحل المقترح هو الدفع للأردن ومصر مباشرة بناء على كمية الكهرباء والغاز المقدمة بدلاً من الدفع عبر لبنان. سيدفع اللبنانيون ثمن الغاز عندما تحدث معجزة وتبدأ الحكومة في تنفيذ إصلاحات اقتصادية تتيح لها الحصول على مساعدات خارجية.
حتى أن تقارير عن صفقة الغاز بين إسرائيل ولبنان أوضحت أنها تهدف إلى كبح نفوذ إيران في لبنان وسوريا، وإعادة سوريا إلى الحظيرة العربية وتقليص نفوذ حزب الله في لبنان. كل ما كان مفقودًا هو تقييم يفيد أن الاتفاقية ستؤدي إلى السلام العالمي، أو على الأقل تحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري.
لا يرتكز النفوذ الإيراني في لبنان على ناقلات النفط القليلة التي أرسلها الإيرانيون في أيلول إلى ميناء بانياس السوري بناء على طلب حزب الله. حتى الولايات المتحدة امتنعت عن توقيف شاحنات النفط، في حين قالت سفيرة الولايات المتحدة في لبنان، دوروثي شيا، لشبكة العربية الإخبارية: “لا أعتقد أن أي شخص سيستقيل من منصبه إن استطاع أحدهم إدخال الوقود إلى المستشفيات التي تحتاج إليه. وفي الوقت نفسه، تحدثت عن مسودة اتفاقية لتصدير الغاز من الأردن ومصر.
أدرك حزب الله ذلك ولم يبد أي اعتراض، كما أنه التزم الصمت حتى عندما أفادت وسائل إعلام عربية أن الكهرباء الأردنية الموجهة للبنان ستولّد من الغاز الطبيعي الإسرائيلي. وبنفس الطريقة بالضبط، أعطى حزب الله موافقته على إجراء مفاوضات بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، لأن استقرار لبنان وتنظيمه يصبان في المصلحة المشتركة لإسرائيل وحزب الله وإيران وسوريا.
وبالتالي فإن الاقتراح بأن تطالب إسرائيل بتنازلات دبلوماسية أو عسكرية مقابل موافقتها على تزويد لبنان بالغاز الطبيعي لا أساس له. ليس فقط أن إسرائيل لا تبيع الغاز للبنان، فهي لا تستطيع أيضا الاعتراض على مشاركة الأردن ومصر، خاصة وأن الولايات المتحدة هي التي أعدّت الاتفاقية.
إيران تتطلع إلى السوق الأوروبية
في حين أن لدى الحالمين رؤى لشرق أوسط يؤدي فيه الغاز الإسرائيلي إلى تغيير النظام، وتشكيل التحالفات، وزعزعة وضع حزب الله وطرد إيران من سوريا، فإن الأمر يستحق في الواقع التخطيط لعودة إيران إلى سوق الغاز العالمي – ولا سيما السوق الأوروبية.
إن اكتشاف احتياطي ضخم من الغاز في المياه الإيرانية في بحر قزوين، حقل تشالوس، يضع إيران في صدارة التصنيف كمنتج إقليمي للغاز. ويقدر الخبراء الغربيون أن الحقل يحتوي على غاز أكثر من أي احتياطي في موقع احتياطي بارس للغاز الذي تشترك فيه إيران في الخليج مع قطر، التي تعتبر نفسها أكبر احتياطي للغاز البحري في العالم.
يتحدث المسؤولون في وزارة الطاقة الإيرانية بالفعل عن قدرة إيران على توفير حوالي 20 في المائة من احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي. ومع افتراض توقيع اتفاقية نووية دولية جديدة مع إيران ورفع العقوبات عن النظام، يمكن أن تصبح إيران بديلا لروسيا في تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي، أو على الأقل خفض الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي.
لكن ستواجه عملية تحويل إيران إلى خيار لاحتياجات أوروبا من الغاز بعض العوائق. إيران هي من الدول الموقعة على اتفاقية استراتيجية مدتها 25 عاما مع الصين، والتي تمنح الصين حق الوصول التفضيلي للنفط والغاز الإيراني بأسعار مخفضة مقابل مئات المليارات من الدولارات في الاستثمارات الصينية. والاتفاق الاستراتيجي الذي وافقت إيران وروسيا للتو على تمديده سيحدّ أيضا من قدرة طهران على المنافسة في السوق الأوروبية. تنظر روسيا إلى خط أنابيب الغاز إلى أوروبا ليس فقط على أنه أصل اقتصادي ولكن أيضا كمصدر استراتيجي وأساسي للضغط الدبلوماسي، وبالتالي، لن تسمح موسكو لأي دولة بإخراجها من هذه الساحة المربحة.
إضافة إلى ذلك، تفتقر الجمهورية الإسلامية إلى المرافق والوسائل الأخرى لتسييل الغاز، الأمر الذي يعيق قدرتها على المنافسة في سوق الغاز المسال. ستحتاج إيران إلى إصلاحات شاملة في كيفية استخدام غازها الطبيعي، وهي حاليا مخصصة للاستهلاك المحلي، حيث يتم تصدير حوالي 7 في المائة فقط إلى جيرانها.
حتى ولو كانت مبيعات إيران من الغاز الطبيعي إلى أوروبا نظرية في الوقت الحالي – ويرجع ذلك أساسا إلى العقوبات الأمريكية – تعتزم إيران زيادة إنتاجها من الغاز بشكل كبير هذا العام وأن تكون لاعبا مهما في سوق الغاز في آسيا الوسطى. تضمن الاتفاقية الثلاثية لتوريد الغاز التي وقعتها في تشرين الثاني مع تركمانستان وأذربيجان، وكذلك اتفاقية التوريد مع تركيا، أن تجد الاحتياطيات الضخمة في أراضيها وفي بحر قزوين أسواقا جديدة.
مع رفع العقوبات، ستكون إيران أيضا قادرة على بيع أو التخلي عن كميات من الغاز للبنان، وفي هذه العملية ضمان لنفوذها الاقتصادي والسياسي في البلاد. هذا من شأنه حتى تجنيب لبنان الحاجة إلى شراء الغاز والكهرباء من مصر والأردن. سيكون من غير الحكمة إذن توقع أن استخدام الغاز الطبيعي الإسرائيلي سيخرج إيران من سوريا ولبنان.