الشمال الثالثة: محاكمة بإسم الشعب اللبناني!
بقلم كمال نحاس
تستحوذ دائرة الشمال الثالثة، الحيّز الأكبر من ضوضاء الانتخابات النيابية المقبلة، خاصّةً أنّها تُعدّ مسرحاً للمنازلة المسيحية بين ثلاث قوى رئيسية وهي التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية وتيار المرده، إضافةً إلى قوى وشخصيات سياسية لها حضورها الوزان ضمن الدوائر الصغرى.
في انتخابات العام ٢٠١٨، حصد تحالف “المرده” والحزب السوري القومي والنائب السابق بطرس حرب والمرشح ملحم طوق على أربعة حواصل إنتخابية مستفيدين من الكسر الاعلى الذي زاد بقليل عن المعدل الذي حصلت عليه لائحة تحالف “القوات” وحزب الكتائب واليسار الديمقراطي والتي نالت ثلاثة مقاعد، فيما تمكّنت لائحة تحالف “الوطني الحر” وحركة الاستقلال وتيار المستقبل من الظفر بثلاثة نوّاب أيضاً.
اليوم وقبل أربعة أشهر على موعد الانتخابات القادمة، تطغى على أكبر دائرة مسيحية ثلاثة عوامل ستلعب دوراً بارزاً في تحديد مسار النتائج وهي بترتيب عشوائيّ، أولاً، التّحالفات التي تشهد تبدّلات غير محسومة حتّى اللحظة؛ ثانياً، التوجهات الشعبية مع انقضاء عهد الرئيس عون وبعد ثورة ١٧ تشرين وانهيار الوضعين الاقتصادي والمالي وبروز العنوانَين السيادي والاصلاحي كمُنخِّب أوّل؛ وثالثاً، نسبة اقتراع الناخبين غير المقيمين المسجلين في الخارج ووجهة تصويتهم.
يُفتّش التيار الوطني الحر عن حليف إنتخابي يلعب دور الرافعة لمساندته في بلوغ عتبة الحاصل الانتخابي، خاصة أنّ كل الاحصاءات التي أُجريت في الدائرة تتلاقى على تأكيد تراجع شعبيته في البترون وتحديداً في مركز ثقله داخل المدينة يُضاف إليها خسارة دعم أصوات تيار المستقبل التي استفاد منها النائب جبران باسيل بصفة صديق للرئيس سعد الحريري.
وضعية “الوطني الحر” ليست أفضل حالاً في قضاء الكوره الذي يُعدّ مركز ترجيح كفّة الدائرة، فهذه المنطقة التي استطاع فيها “التيار” من خطف مقعد الروم الارثوذكس الثالث لصالح النائب جورج عطالله، تحمل نفوراً متزايداً من تيار العهد، لأسباب تبدأ بالسياسة والآداء السلطوي وصولاً إلى التعاطي داخل المنطقة حيثُ يُسجّل إمتعاضاً كورانياً من محاولة عطالله شراء الذمم الانتخابية بعد استئثاره بتوزيع المازوت الانتخابي يوم استفحلت الأزمة من خلال إجبار البلديات على المرور بمكتبه وشكره علانيّة، إضافةً إلى نكران “التيار” للرافعة الانتخابية التي شكّلها تيار المستقبل بشخص النائب الراحل نقولا غصن ومكّنت من فوز عطالله، ويكاد يكون هجوم مسؤول تيار باسيل في الكوره على غصن بعد نصف ساعة من وفاته واصفاً إيّاه بالاقطاعي دون أدنى احترام لحرمة الموت، عاملاً إضافياً لنفور الأرضية من “التيار”.
في زغرتا، تضاءل حضور “التيار” ليُصبح في المرتبة الرابعة وفق خبير انتخابي بعد “المرده” وحركة الاستقلال و”القوات” لعوامل عدّة أبرزها سقوط الغطاء السيادي الذي أمّنه النائب السابق ميشال معوض لمرشح باسيل الوزير السابق بيار رفول حيث تكشف المعطيات عن دور الاخير في الربط ما بين قيادة النظام السوري ورئاسة “الوطني الحر”، زد على ذلك كلّ موبقات السلطة التي انعكست على أهالي المنطقة فقراً.
في بشري، لا حضور يُذكر لتيار باسيل وهو ما بان وضحاً في زيارته إلى المنطقة منذ أكثر من عامين حيث جوبه بمقاطعة شاملة لم يستطع حليفه الجديد الذي لم يحسم خياره الانتخابي بعد، ابن النائب السابق جبران طوق من خرقها.
في المقلب الآخر، يواجه “القومي السوري” تخبطاً قيادياً بعد الصراعات التي تدور بين محوريّ رئيس الحزب ربيع بنان والنائب أسعد حردان، حيث لم يُحدّد الأول المرشّح المعتمد رسمياً في الكوره وما إذا كان سيُبقي على ترشيح النائب سليم سعاده، بالرغم من إمتعاض رفاق بنات بعد توصيفه في خانة حردان، مع احتمالية خوض المعركة بمرشّحين في لائحتين مختلفتين لتحديد حجم التأييد الكوراني “القومي” لكلّ من الجبهتين والارتكاز بالتالي على هذه النتيجة لتحديد المسار المستقبلي لحزب أنطون سعادة.
تيار المرده الذي خسر دعّامة إنتخابية مع انتقال حليفه في بشري إلى مقلب آخر، يخفت حضوره في البترون بشكل كبير، فيما يرتكز في الكوره على أصوات الثنائي الشيعي والعلويين وحلفائه السنة في ٨ آذار بينما يعاني من تسويق مرشّحه فادي غصن شقيق النائب الراحل فايز غصن مع تململ لدى بعض كوادر “المرده” الذين رفضوا خيار الوراثة السياسية وطالبوا بتجديد المسار من خلال اختيار إحدى الشخصيات الملتزمة التي تفقه بالأرضية الكورانية ولا تأتي من عالم الأعمال في الخارج لتحصد الالتزام التراكمي لمَن في الداخل.
على صعيد “القوات”، يؤكّد الخبير الانتخابي تحسّن وضعية الحزب في الأقضية الاربعة وتحديداً في قضاء زغرتا الزاوية بعد ترشيح المهندس مخايل سركيس الدويهي الذي سيتمكّن من استقطاب جزء وازن من أصوات العائلة والمدينة إلى جانب تأييد القواتيين الملتزمين، ما سيؤدّي إلى تثبيت الحاصل الرابع.
وبانتظار تبلور شكل لائحة معوض وحرب وخيار “المستقبل” من جهّة، كما مدى جدّية المجموعات المعارضة المستقلة في فرض نفسها ضمن إطار انتخابي موحّد من جهّة ثانية، ستحتدم الصراعات داخل الدائرة لحين فتح الصناديق ليل الخامس عشر من أيار حيث تكمن الاجابة على السؤال التالي: هل حاكمت دائرة الشمال الثالثة بإسم الشعب اللبناني جبران باسيل ومن خلاله “تحالف الفساد والسلاح” على أحد أسوأ عهود لبنان أو أنّ خيارات الصناديق تُعاكس الارقام والمعطيات والوقائع؟