لماذا يتبرأ الحريري من معركة “القوات” السيادية؟
الكاتب السياسي الاستاذ جورج حايك
كتب جورج حايك: تُطرح علامات استفهام عديدة حول موقف تيار “المستقبل” ورئيسه سعد الحريري من حوادث الطيونة وعين الرمانة، وبلا أدنى شك يبدو التيار بعيداً عن المزاج السني الذي امتعض من اعتداءات “حزب الله” على منطقة عين الرمانة ورأى فيها تكراراً لمشهدية 7 أيار التي استهدفت مناطقه في بيروت عام 2008. كذلك استفز كلام نصرالله هذا الجمهور بعدما رأى فيه تجنياً على “القوات اللبنانية” واستعادة لأجواء تركيب الملفات التي كانت سائدة في زمن الاحتلال السوري في التسعينات. لكن صمت مسؤولي تيار “المستقبل” وفي مقدمهم الحريري بقي مدوياً، باستثناء موقف جريء ومتقدّم لنائب رئيس تيار “المستقبل” مصطفى علوش شنّ فيه هجوماً عنيفاً على أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله على خلفيّة خطابه الأخير، قائلاً: “من غدر برفيق الحريري وسمى القتلة قديسين لا يحق له اتهام اي شخص بالغدر”.
لكن كلام علوش ليس معياراً لأنه اعتاد دائماً أن يغرد خارج سرب “المستقبل”. في حين كانت الأنظار قد توجهت نحو الحريري إلا أنه بقي صامتاً، ويبدو ان الصمت هو رسالة في حد ذاته. وما يدور في كواليس “المستقبل” يعبّر عن موقف مريب حيال الأحداث، إذ يميل قياديوه إلى تحميل المسؤولية إلى “حزب الله” و”القوات اللبنانية” على حد سواء، وهذا تطوّر سلبي آخر في العلاقة ما بين “القوات” و”المستقبل” بعدما كانا حليفين في مواجهة “الحزب” الخارج عن مفهوم الدولة، بات الحريري يساوي بين المعتدي والمعتدى عليه، وكأنه وتياره يريدان حجب نظرهما عن حقيقة ما حصل، وسلكا طريق التعميم من دون الأخذ في الاعتبار انهما يساويان بين حزب “القوات” السيادي الذي يعمل على بناء الدولة ويؤمن بالانتماء الى العالم العربي، و”حزب الله” الذي يكرّس مفهوم الدويلة لمصلحة المشروع الايراني التوسعي.
ضيّع تيار “المستقبل” البوصلة، وربما أثّر تراكم الخلافات مع “القوات” على رؤيته، وتغلبت الكيدية السياسية وعملية تسجيل النقاط على ضرورة توحيد الجهود بين القوى السيادية لمنع تطور المشروع الآخر الذي يدخل لبنان في محور ايران المستفز للدول العربية، والخطر على كيانية لبنان وسيادته واستمرارية تعددية شعبه.
لقد كانت المملكة العربية السعودية واضحة مع المكوّنات اللبنانية السيادية بضرورة عدم التساهل مع “حزب الله”، وعدم المشاركة في حكوماته كي لا تعطيه غطاء لتعويم مشروعه وإطالة عمر هيمنته. إلا أن الحريري، على خلاف بعض القوى السياسية اللبنانية وخصوصاً “القوات اللبنانية”، بقي مصراً على مشاركة “الحزب” في الحكومة، فبقيت أبواب السعودية والخليج عموماً مقفلة في وجهه ووجه لبنان الرسمي عموماً.
يسير الحريري عكس المزاج السني اللبناني الشعبي الرافض لتصرفات “حزب الله” سواء في خلدة او شويا او عين الرمانة، ويتموضع في الوسط بين الظالم والمظلوم، ويسير عكس الارادة السعودية والخليجية والعربية عموماً التي تعتمد سياسة حازمة حيال ايران وميليشياتها في المنطقة. كذلك يسير عكس الاتجاه الدولي الذي يضع عقوبات على “حزب الله”، ويتخوّف من ادائه الهادف إلى ضرب المؤسسات في لبنان والتحكّم بها خدمة لإيران.
والمستغرب أكثر لدى تيار “المستقبل” هو تحالفه مع رئيس حركة “أمل” نبيه بري ورئيس “المردة” سليمان فرنجية، وكلاهما مرتبطان مع “حزب الله” بحلف متين، وربما يخوض الحريري الانتخابات النيابية المقبلة بالتحالف مع الحزبين المذكورين، مما سيعزز وضعية “الحزب” أكثر ويطيل أزمة لبنان. ويرى المراقبون أن ثمة تناغماً لافتاً بين الحريري وفرنجية، قد يحمل الأول إلى ترشيح الثاني إلى رئاسة الجمهورية، والجميع يعرف ان سياسة فرنجية من صلب محور الممانعة، وبالتالي فإن نهجه يخدم “الحزب” وسيؤدي إلى مزيد من العزلة للبنان!
كثر يتساءلون ما هي الخطيئة التي ارتكبتها “القوات” حتى يصل “المستقبل” إلى حد السكوت عن استهدافها من قبل “حزب” مسلّح تبيّن من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أنه متورط بإغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وأكثرية شهداء ثورة الأرز؟ وما سبب هذه الغشاوة التي تحجب بصيرة “المستقبل” عن رؤية مسلحي “الحزب” يعتدون على أهالي عين الرمانة، لا “القوات”، من دون أن يستنكروا ذلك؟
يتعرض لبنان لعملية اغتيال “هويته” فيما “المستقبل” منشغل بتصفية حساباته مع “القوات اللبنانية”، أو ربما هو خائف من اندلاع حرب أهلية، رغم أن “القوات” لا تريد أي حرب أصلاً، إلا ان المعركة السياسية مصيرية وهي ليست معركة “القوات” فحسب، علماً أن جميع اللبنانيين معنيون بها مما يتطلب ارادة للمواجهة، لأن استفراد “القوات” وكسرها يعنيان هزيمة لكل السياديين، وسيطرة “الحزب” نهائياً على الكيان وتغيير وجه لبنان التاريخي. ويبدو أن “المستقبل” ورئيسه يعيشان مرحلة سوء تقدير لخطورة ما يحصل، وأضاعوا الأولويات. وهذا المسار التنازلي بدأ منذ 7 ايار 2008 مروراً باتفاق الدوحة، حيث كرت السبحة بفرط 14 آذار تنظيمياً، وصولاً إلى التحالف مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. لكن السياسة في لبنان تتغيّر، وربما يستفيق “المستقبليون” يوماً ويصوّبون “البوصلة” لكن حذار أن تكون هذه الاستفاقة بعد فوات الأوان!