نجيب ميقاتي يصطدم بالتشدّد العوني وشروطه… هل يكرّر تجربة الحريري أم ينسحب؟
ابراهيم حيدر – النهار
الخرق السياسي الوحيد في الأزمة الحكومية، كان ارتفاع أسهم الرئيس الأسبق للحكومة نجيب ميقاتي لتكليفه بالمهمة، من دون أن يكون هذا الأمر محسوماً أقله حتى الإثنين المقبل قبل بدء الاستشارات النيابية في قصر بعبدا، إذا لم يطرأ أي تطور يؤدي إلى تأجيلها. لكن تسمية ميقاتي أمامها أيضاً صعوبات ينبغي تجاوزها وفق مصدر سياسي مطلع، أولها الغاء اشتراطات #جبران باسيل للبحث المسبق بينه وبين المرشح للتكليف، وهو أمر إذا استمر على القاعدة التي كانت قائمة قبل اعتذار الحريري قد يتخذ ميقاتي قراراً بالانسحاب وتعود الامور إلى المربع الأول، اي البحث عن اسم جديد قد يكون فيصل كرامي أو إحدى الشخصيات المقربة من محور الممانعة.
قبل ذلك جرى سحب اسم نواف سلام، وتقدم اسم ميقاتي واصبح الاكثر تداولاً حيث يتمسك به رئيس مجلس النواب نبيه بري انطلاقاً من مبادرته السابقة ومن الاتفاق مع سعد الحريري على اسم من نادي رؤساء الحكومة السابقين، فيما ينتظر الجميع موقف رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل، كي لا يلاقي ميقاتي المصير نفسه الذي حدث مع الحريري، ويصطدم بشروط أكثر تشدداً. وكان اسم نواف سلام طرح سريعاً، لكنه لا يحظى بتأييد من الطبقة السياسية والفرقاء السياسيين والطائفيين، خصوصاً “حزب الله” الذي يرفض توليه رئاسة الحكومة لاعتباره في الصف الأميركي، فيما سلام نفسه يشترط اساساً تشكيل حكومة اختصاصيين تكون قادرة على حل الازمة، وهو لا يقبل بمهمة لا تعطيه هذا الحيّز في ظل النظام الراهن وتركيبته، فباتت تسميته أمر شبه مستحيل.
وفي المقابل، فيصل كرامي هو مرشح محور الممانعة الدائم، وإن كان حاول أن يفتح كوة للاتصالات مع دول خليجية وغربية لتعويم موقعه ودوره، لكنه لا يحظى بتأييد وتغطية من بيئة الطائفة السنية ومرجعياتها التي التفت حول الحريري أولاً في مواجهة التشدد العوني، وهي لا تمانع تغطية ميقاتي الذي يعبر عن موقف رؤساء الحكومة السابقين. لكن المشكلة تبدو أكبر من ذلك، ولا ترتبط فقط بالأسماء والمواقع والأشخاص، انما في هوية الحكومة ومشروعها، وهي في البحث الراهن والتفاوض حول التسمية والتشكيل لا تشير إلى أن الأمور سالكة، فيما تبرز وجهة نظر أخرى من داخل نادي رؤساء الحكومة السابقين وتقول بترك ميشال عون يقرر الاسم الذي يريد بالتحالف مع “حزب الله” ولتتشكل حكومة شبيهة بحكومة حسان دياب ولتتحمل مسؤولية ما يحل بالبلد. فإذا جرت تسمية فيصل كرامي يعني أن التحالف الحاكم لقوى الممانعة يكون قد قرر السير في المواجهة وبالطريقة ذاتها عندما تم تكليف حسان دياب الذي تشكلت حكومته بدعم من “حزب الله” والتيار العوني، وهي حكومة أخذت البلد إلى الافلاس وعزلت لبنان عن محيطه العربي.
في المعطيات، يبدو الرئيس نبيه بري من أكثر المتحمسين لتسمية نجيب ميقاتي، فهو بالنسبة إليه يتمتع بحيثية كونه من نادي رؤساء الحكومات، فيما موقف “حزب الله” يشوبه الغموض من عملية التشكيل كلها كون مشروعه يرتبط بحسابات لها بعد إقليمي. كما أن ميقاتي مدعوم من الحريري أيضاً، لكن الخلاف لا يزال قائماً مع رئيس الجمهورية وتياره، علماً أن “القوات اللبنانية” قد حسمت موقفها بعدم التسمية. أما المعضلة الأساسية، فتكمن وفق المصدر السياسي، في أن التيار العوني لن يسمي قبل أن يتم الاتفاق المسبق معه، ما يمثل مشكلة كبيرة أمام ميقاتي الذي إذا وافق سيدخل في مفاوضات مباشرة حول آلية التأليف، وهو الامر الذي كان رفضه الحريري قبل اعتذاره. واذا وافق ميقاتي على التفاوض يعني أنه سينزل تحت السقف الذي كان وضعه الحريري، وإذا رفض سيتعطل التأليف وأيضاً التكليف.
يظهر أن التشدد العوني لا يزال قائماً ولن تتألف حكومة إلا بالشروط التي وضعها الرئيس ميشال عون وتياره، وهما لا يزالان على موقفهما، ولا يختلف بالنسبة اليهما نجيب ميقاتي عن الحريري، فإذا اصطدم ميقاتي بالشروط العونية ذاتها، ستصل الأمور الى طريق مسدود، وان كانت هناك اتصالات دولية مواكبة لعملية الاستشارات والتكليف من دون ان تكون حاسمة في تغيير الوضع واحداث خرق في المشهد يزيل التصلب في المواقف وتقديم تنازلات لحل الأزمة الحكومية.
الوقائع السياسية والخلافات والصراعات لم تتغير، فبين التكليف والتأليف هوة سحيقة، ولم تحدث انعطافة في مقاربة رئيس الجمهورية للشأن الحكومي. فإذا تم تكليف ميقاتي رئيساً للحكومة، فإن معركة التأليف ستكون معقدة وصعبة. الشروط العونية لا تزال قائمة، ولا شيء تغير منذ اعتذار الحريري، من الثلث المعطل الى تسمية الوزراء إلى القرار داخل الحكومة وحسم ملفات لها علاقة بالاستحقاقات المقبلة في لبنان، كلها تقف عائقاً أمام التشكيل. كما أن التمسك بصلاحيات الأمر الواقع التي تكرست للعهد العوني لن يتم التخلي عنها وصولاً الى كسر اتفاق الطائف.
نجيب ميقاتي سيواجه على الأرجح المشكلات نفسها التي منعت الحريري من تشكيل الحكومة، وهو لا يستطيع أن يقدم تنازلات تمس موقع رئاسة الحكومة ودورها، لأنه بذلك ينسف كل المواقف التي أعلنها من خلال نادي الرؤساء السابقين، وابرزها الحفاظ على اتفاق الطائف. وفي المقابل، لا يبدو أن عون سيقدم تنازلات هو لم يقدمها في الأساس للحريري، ولن يبادرالى التسوية التي تتطلب تنازلاً من موقع الحكم وليس الطرف السياسي الذي يريد حصته الوازنة بين القوى التي تتحكم بمصير البلد. وعلى هذا، الأزمة على اشدها، وقد نكون دخلنا في الفراغ القاتل فعلاً لا قولاً!