“الحزب الاصفر” “حنجرة حديدية” ومواقف أللا موقف
كتب جورج العاقوري:
يتمتّع “حزب الله” بـ”حنجرة حديدية” من دون سواه من الأحزاب اللبنانية. فالانضباطية كاملة في إصدار مسؤوليه للمواقف، كذلك القدرة على الإعتصام بالصمت وعدم الظهور الإعلامي لسنوات. قلّ ما تستفزه الحملات أو يستدرج الى جدالات ومناكفات، كما أن مواقفه لا تتأثر كثيراً بالواقع اللبناني وبالحسابات الداخلية لأن الأولوية لديه مشروعه السياسي العابر لحدود الوطن.
يسعى “حزب الله” الى عدم خسارة الأوراق التي يملكها كي يبقي على أكبر مروحة خيارات أمامه. لذا هو متمسّك من جهة بـ”التيار الوطني الحر” الذي يؤمّن له الغطاء مسيحياً ومن جهة أخرى بالإستمرار بتكليف الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة.
ترؤس الحريري الحكومة أفضل له من ترؤس أي من حلفائه السنّة، فهو يمتلك شبكة علاقات دولية على عكسهم. كما يعتقد “الحزب” أنه بإستطاعته الرهان عليها لتخفّف الضغوط عن لبنان وبالتالي عنه بشكل أو بآخر. كذلك هو على ثقة أن الحريري الذي لطالما مارس “ربط النزاع” معه لن يقدم على الوقوف جدياً بوجهه. مما تقدم يمكن فهم مواقف أللا موقف من أبرز الملفات المطروحة في بيان كتلة “الوفاء للمقاومة” الأخير في 22/4/2021 .
مصدر مراقب وصف هذا البيان بـ”الإنشائي” لأن “أي موقف لـ”الحزب” سيحسب لمصلحة طرف في الإشتباك القائم بين باسيل والحريري”. ثم يستفيض بالشرح:
1- في الملف الحكومي، يعتبر الحزب أن “تشاور دولة الرئيس المكلف واتفاقه مع فخامة رئيس الجمهورية لإصدار مراسيم الحكومة ليسا ترفاً ولا استنساباً بل هما الممر الطبيعي والدستوري لولادة الحكومة حين تتوفر الجدية المطلوبة”. كما يؤكد أنه “لم تعد تنطلي على اللبنانيين تبريرات أي فريق يعمل على إضاعة الوقت أو يستخف بأوجاع اللبنانيين أو يتسبب بتردي أوضاع الدولة نتيجة التفرد أو تغليب المصالح الضيقة على حساب مصلحة الوطن والمواطنين”.
ويسأل المصدر: “لماذا لا يقدم “الحزب” على تسمية من هو غير الجدي ومن يهدر الوقت ويغلّب مصالحه الضيقة؟ وإستطراداً لو أن “الحزب” مستعجل لتشكيل الحكومة، لماذا لا يضغط على حلفائه لحلحلة العقد كما ضغط لتسمية الحريري؟ لماذا لا يبتكر مخارج كما فعل لتسهيل ولادة حكومة نجيب ميقاتي عام 2011 حين كسر الأعراف والمواثيق التي تقضي بتوزيع الحقائب بالتوازي بين السنة والشيعة، فكانت 7 حقائب للسنة مقابلة 5 حقائب للشيعة من أجل توزير فيصل كرامي؟”.
2- في الملف القضائي، أشار الحزب الى أن “عناية قضائنا بالشكل والأداء والأسلوب يجب أن يسبقها الاهتمام بحماية العدالة ومنع التحايل عليها والتهرب من حكمها”. كما لفت إلى ان “القضاء كله في لبنان معني بملاحقة الفساد ومحاكمة الفاسدين، لأنه المعبر القانوني المتاح أمام المواطنين لرفع الظلم اللاحق بهم واستعادة حقوقهم”.
في هذا الإطار، إعتبر المصدر أن “الحزب” “الذي لم يخف يوماً حربه على النظام المالي والمصرفي في البلاد آثر عدم مساندة حليفه العوني في دفاعه عن ممارسات القاضية غادة عون لأنه سيكون مضطراً للهجوم على النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، ما قد يفسّر إنحيازاً لمصلحة “التيار العوني” على حساب “تيار المستقبل”. كما أن من مصلحته تمرير الوقت وإلهاء اللبنانيين”.
3- في ملف ترسيم الحدود البحرية جنوباً، إعتبر “الحزب” أن ألامر من مسؤولية الدولة ومؤسساتها المعنية عبر وضع الإحداثيات التي تعين النقاط الحدودية والمساحة السيادية للبنان. كما شدّد أن تثبيت الحدود السيادية البرية والبحرية يحتاج إلى تناغم وطني وازن ومتين، متعهداَ “الدفاع عن الحدود السيادية التي تثبتها الدولة بشكل نهائي لدى الأمم المتحدة وفق الآلية القانونية المعتمدة دوليا”.
لم يتفاجأ المصدر بموقف “الحزب” ويقول: “بعد قبول الحزب بالمفاوضات القائمة وعدم تعليقه على إعلان الرئيس بري “اتفاق الإطار لترسيم الحدود البحرية والبرية مع إسرائيل” لا فلسطين المحتلة، من غير المستغرب ألا يدافع “الحزب” عن الخط 29 الذي وضعه الجيش. فالحزب لو أراد الضغط على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب لعقد جلسة لمجلس الوزراء لتعديل المرسوم أو لتمنى على عون توقيعه في خطوة يدبّج لها مستشاره سليم جريصاتي مخارج قانونية”.
ممارسة “حزب الله” سياسة “رِجل بالبور ورِجل بالفلاحة” و”ضربة على الحافر وضربة على المسمار” بدأت تخلق نقمة متصاعدة في أوساط القواعد العونية لا بل بعض مسؤولي “التيار” يجاهر علناً أن “الحزب” شريك في عرقلة مسيرته نحو “الاصلاح والتغيير” وتركه وحيداً في حربه ضد الفساد.
فإن كان “الحزب” مطمئناً الى أن باسيل أحرق جميع مراكبه مع المجتمع الغربي والعالم العربي وأن العقوبات الاميركية ضيّقت خياراته وجعلته أكثر إلتقاصاً به، هل باسيل مطمئن الى مواقف ألا موقف التي يطلقها “الحزب” والتي تزيد من ترنّح العهد وتوسّع المسافة بينه وبين كرسي بعبدا؟