بانتظار عودة أميركا من انتخاباتها ماذا يفعل العرب؟
وليد فارس الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية
في وقت تسافر الولايات المتحدة من محطة إلى أخرى في سلسلة الإجراءات الإدارية والقانونية والعدلية، في صراع سياسي بين معسكرين لن ينتهي في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، بغض النظر عمَن سيدخل البيت الأبيض، تتساءل الأوساط القيادية في الشرق الأوسط الكبير والعالم العربي عما يمكن عمله في “الوقت الضائع” ( Time Out).
بعض أصحاب الرأي، بخاصة المستشارين والخبراء المتموقعين في واشنطن، يوصون بالتجميد والانتظار حتى تتألف الإدارة الجديدة، لأن أي تحرك من دون مشورة البيت الأبيض الجديد قد تصطدم بالتغييرات التي ستأتي بها الطواقم الجديدة إلى الإدارة العتيدة. ونسمع أصوات “الخبراء” ونقرأ ملاحظاتهم يومياً في هذا الاتجاه التي تقول إن المطلوب من العرب حالياً وبخاصة حلفاء واشنطن أن يهدأوا، أن يسكنوا، وينتظروا لأشهر حتى تنجلي الأمور وينقشع الغبار في العاصمة الأميركية بحسب رأي “العالِمين بأسرار واشنطن”. إلا أن هناك رأياً مخالفاً لهذه النظرية، للأسباب التالية:
إن تحديد أطر العلاقات الشرق أوسطية والعربية مع الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة، لا بد أن ينتظر تشكيل الطواقم الجديدة ليبدأ التواصل والتبادل وتنطلق الاجتماعات والقمم بين الأطراف الإقليمية والمسؤولين الجدد في واشنطن. قد يأخذ ذلك وقتاً غير قصير، ربما أشهراً. والأعراف الديبلوماسية تتحكم بهكذا آليات بين الحكومات والدول. وستدرس الإدارة الجديدة الملفات وتتشاور مع البيت الأبيض الجديد لإطلاق السياسات الجديدة، التي ستتقدم كالمحدلة لأربع سنوات. إلا أن العهد المقبل يتميز بأمرَين معروفَين مكشوفَين لا جدال فيهما.
الأول، هو معرفة ما تهدف إليه إدارة بايدن (والأمر مماثل لو كانت إدارة ثانية لترمب)، لسبب بسيط، هو أن الرئيس المفترض الجديد كان نائباً لأوباما لثماني سنوات، أي أن معظم الأهداف والأجندات المستقبلية مكتوبة في الماضي ويمكن استنباطها بسهولة. وبالتالي يمكن لدول الإقليم أن تحضر ملفاتها على أساس مقاربة مصالحها مع ما يمكن استشرافه من أجندة فريق بايدن.
الأمر الثاني، هو معرفة “التحالف العربي” ودول المنطقة، أن محورَي “إيران” و”الإخوان المسلمين” سيقفزان فوراً للالتحام بطواقم بايدن وتثبيت مصالحهما في أسرع وقت ممكن والتأثير في الإدارة الجديدة لخدمة أجنداتهما في المنطقة. كما أن “مجموعة الاتفاق النووي”، المترابطة مع فريق أوباما وبالتالي بايدن ستسعى إلى استعجال التفاوض للعودة إلى الاتفاق، لكن بالطبع عبر شروط تضر بمصالح الخليج ودول عربية أخرى. وسيسعى هذا المحور إلى ضمان مصالحه في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وستهرول تركيا وقطر ومنظومة “الإخوان” إلى واشنطن لربط مصالحها بفريق بايدن، بمساعدة “اللوبي الإخواني” ذي النفوذ العميق مع إدارة أوباما. وسيسعى هذا المحور إلى تثبيت مصالحه في ليبيا، والمتوسط، وسوريا، والعراق، واليمن، والقوقاز.
سيتسابق المحوران على شن حملات تأثير سلبي ضد أخصامهما الأساسيين في العالم العربي وأهمهم السعودية ومصر والإمارات والبحرين ويتهمونهم بالوقوف بوجه سياسة أوباما ودعم ترمب. هذا واضح لنا. لكن السؤال هو ماذا سيفعل العرب؟ أو ماذا عليهم أن يفعلوا في المرحلة الانتقالية بين الإدارتين، أو على الأقل طيلة الأزمة الدستورية.
قدمت في الماضي القريب اقتراحَين، الأول، أن يوحّد عرب الاعتدال موقفهم وأن يتحركوا بسرعة. ويبدو أن “دول التحالف العربي” بدأت فعلاً بالتنسيق في ما بينها والتحرك في كل الاتجاهات. أما الاقتراح الثاني، فهو توسيع حلقة “معاهدة إبراهيم”، وبالفعل انضم السودان وعاد المغرب إلى منظومة السلام أخيراً. كل هذه الخطوات جيدة وفعّالة ولها تأثير في الولايات المتحدة. كما شجّعنا على التنسيق مع دول أطلسية حول الوضع في المتوسط. وقامت مصر والإمارات بالتنسيق مع فرنسا واليونان وقبرص في هذا الشأن.
فإذا كانت دول التحالف العربي تعمل على توحيد جهودها في ما بينها وتوسع “معاهدة إبراهيم” وتبني تحالفاً متوسطياً مع أوروبا، ماذا يجب أن تفعل أكثر لتجني نتائج في واشنطن لدى الإدارة الجديدة والكونغرس الجديد؟ بالطبع هنالك سياسات عدة، بإمكان التحالف العربي أن يعتمدها بسرعة كي يصبح وقعها قائماً في العاصمة الأميركية وردعها المحاور المخاصِمة واضحاً. وهذه بعضها:
اقترحت منذ سنوات أن يكون للتحالف العربي تمثيل موحد في أوروبا والولايات المتحدة ككتلة واحدة استراتيجية وليس كدول منفردة. وأن يتم التعاطي مع قضايا المنطقة بطريقة مركزية موحّدة.
كما يجب أن يعمل التحالف مع مجتمعات المنطقة وأقلياتها لتتحول صورته إلى شريك معنوي قوي كما هي صورة الأوروبيين في أميركا.
ربما الأهم، هو أن تكون لمعاهدات السلام “صورة إبراهيمية” في العمق الأميركي يحوّل التحالف إلى “شريك حضاري” لا يقتصر على الأمني والدبلوماسي. وهنالك خطوات كثيرة يمكن اعتمادها كي يتحول عرب الاعتدال والسلام شريكاً لا يمكن لقوى التطرف أن تهزمه في الحلبة الدولية، بخاصة أمام الرأي العام الأميركي.
وللحديث تتمة…