العونية السياسية المريضة!
رامي الريس _ نداء الوطن
أغلب الظنّ أنّ حملة من الشتائم المسعورة ستنطلق من قبل مؤيدي “التيار الوطني الحرّ” بمجرّد قراءة عنوان هذا المقال، وقبل الإطّلاع على مضمونه! قلّما وجدت عونيّاً يناقش في السياسة، غالبيتهم الساحقة تتهجّم “بالشخصي”، كما يقال، لفقدان الحجّة السياسية أولاً؛ ولغياب الأخلاق السياسية ثانياً.
وهذان التوصيفان الواقعيان لا يُصنّفان في إطار التهجّم الشخصي، لأنّهما ينعكسان في الأدبيات السياسية لـ”التيار” ومعظم قيادييه ومؤيّديه والناشطين على وسائل التواصل الإجتماعي، الذين يتولّون كَيل الشتائم والسُباب، بعيداً من أي منطق سياسي أو أخلاقي.
سبق وذكرتُ في مقال سابق أنّني لا أحبّذ التعميم، كمن يقول عن مجموعة برمّتها أنها مريضة مثلاً، فلا بدّ من أن يكون من بين أي مجموعة بعض العقلاء الذين غالباً ما يكون دورهم إسكات السفهاء، ووضع الحدود الأخلاقية لسلوكياتهم ومواقفهم وكلامهم. وبطبيعة الحال، لا يخلو “التيار الوطني الحر” من هؤلاء العقلاء الذين يؤيدون إعتماد سياسات الإنفتاح والحوار والإختلاف مع الآخرين، على قاعدة الإحترام المتبادل والنقاش الموضوعي الهادئ لعناوين التباين.
ولكن الواضح أيضاً أنّ هوامش العمل لتلك الفئة محدودة وضيّقة، والدليل إنكفاء معظمها عن المشاركة في الحوارات الإعلامية والإطلالات التلفزيونية، بحيث يُترك التمثيل الحزبي فيها للبعض ممّن يعكسون الجو الحقيقي لـ”التيار” ورئيسه، وهو جوّ الحقد والكراهية تجاه معظم المكوّنات المجتمعية والسياسية الأخرى، فضلاً عن حالة منتفخة من الزهو والإعتداد بالذات، معطوفة على قناعة مشوّهة تعتبر أنّ التاريخ اللبناني بدأ سنة 1988 مع تولّي العماد ميشال عون رئاسة الحكومة العسكريّة، التي بُترت بعد دقائق من تكليفها بفقدانها جميع الوزراء المسلمين دفعة واحدة، إلا أنّها لم تفقد ميثاقيتها آنذاك!
إنّ التوصيف المرضي للحالة العونية ليس من باب التهكّم كما قد يرمي إليه البعض، إنّما من باب قياسه إلى الواقع اللبناني بكلّ تعقيداته، والإصرار الأعمى على قلب المعادلات والتوازنات وِفق حسابات وأهواء مصلحية وفئوية ضيّقة.
المرض السياسي يبدأ بأن تكون كل مكوّنات الحركة السياسية ترمي إلى تحقيق هدف واحد دون سواه: الوصول إلى الكرسي الرئاسي. صحيح أنّه حق مشروع، ولكن اقتصار كلّ العمل بغية تحقيقه يعكس فراغاً وخواء فكرياً وعقائدياً. وبذِكر العقائد، المرض السياسي هو أن تصف سلاح المقاومة بأنّه إرهابي ثم تتحالف معه، ثم تعود لتُسقِط الخلاف العقائدي مع إسرائيل لتقرّ بحقّها في العيش بأمان وسلام.
المرض السياسي هو أن تتغاضى عن حرب الإلغاء لتعقد صفقة محاصصتية تتيح الوصول إلى الكرسي، والمرض السياسي هو أن تهاجم السنّية السياسية وتعود لتتحالف مع تيار “المستقبل” لتصل إلى الكرسي. كم هو ثمين هذا المقعد الرئاسي الوثير. ثمّة من لا يتوانى عن ممارسة طقوسه المرضية على كلّ البلاد للوصول إلى المقعد إيّاه، ولو على حساب شاغله الراهن!
هل هي مجرّد مصادفة أن يصل العهد إلى الذكرى الخامسة ولا يُتلى “خطاب العرش”؟ السبب هو الإفلاس السياسي والأخلاقي التام. رئيس الجمهورية لم يعد يجد كلاماً يخاطب به شعبه، وإذا خاطبه، إما يُبلغه أنّ لبنان يتّجه نحو “جهنم”، بقيادته (للمفارقة)، أو يدعوه إلى الهجرة. وهل هي مجرّد مصادفة أيضاً أن تقع أكبر موجات الهجرة من لبنان في “عهدي” عون؟
ولكن، ما عليكم، العهد “قويّ” والرئيس “قويّ” وإنجازاته تتحدّث عنه: إنهيار الإقتصاد، إرتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من خمسين بالمئة من اللبنانيين، موسم جديد من الهجرة للشباب والأدمغة، إنفجار المرفأ (الذي كان الرئيس على علم بإمكانية حدوثه، للتذكير)، إقفال المؤسسات والشركات بالمئات، والعشرات من الأمثلة التي لا تتّسع مساحة هذا المقال لذكرها.
كل “رئيس قويّ” وأنتم بخير!