الحريري يتجرع كأس التنازل الفرنسي بعبارة خمينية
مجدداً، يلبّي الرئيس سعد الحريري مطلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. فكما سلّفه القبول والالتزام بتسمية مصطفى أديب، يسلّفه القبول بإيلاء وزارة المالية لوزير شيعي. هذه المرة لم ينجح الحريري في إبقاء رؤساء الحكومة السابقين إلى جانبه وجرّهم إلى تغطية هذا القرار، كما كان يوم أسقط اسم أديب. سار الحريري وحيداً، بعيداً من توجّه رؤساء الحكومة. استخدم تعبيراً خمينياً في إعلان قبول مطلب حزب الله، قال إنه “سيتجرع كأس السم” كرمى لمصلحة البلد. استخدام التعبير الخميني اختاره الحريري بتوقيت تنازله في اليوم الوطني السعودي. تنازل يقدّمه لإيمانويل ماكرون، الذي لا يترك محطة من دون التذكير بدوره إبان أزمة الاستقالة من الرياض.
قدّم الحريري تنازله بصيغة أراد فيها الحفاظ على ماء الوجه، بمعنى أن يكون لمرة واحدة فقط وزير المال من الطائفة الشيعية، وأن لا يكون منتمياً إلى الثنائي الشيعي، بل يكون مستقلاً ويختاره رئيس الحكومة المكلف. ولكن بمجرد الرضوخ لمطلب واحد من مطالب حزب الله، يعني أن سبحة التنازلات ستكرّ، خصوصاً أن التمسك بوزارة المال كان يهدف لتثبيت “التوقيع الثالث” وتأويل محدد لـ”الميثاقية”، ومواجهة الحصار والضغوط التي يتعرض لها حزب الله. كما غاب عن بال الحريري أن حزب الله شارك بصياغة “إعلان بعبدا” ووقّع عليه، وفيما بعد تنصّل منه وقال للمطالبين بتطبيقه “انقعوه واشربوا ماءه”. وبالنسبة لمسألة اختيار الوزير الشيعي من قبل أديب، فموقف الثنائي الشيعي كان واضحاً لجهة التمسك بتسمية الوزراء الشيعة الثلاثة، وخصوصاً وزير المال.
ردّ الثنائي ومسار التسوية
السؤال هو كيف سيتلقف الثنائي الشيعي هذه المبادرة، وكيف سيكون رد رئيس الجمهورية ميشال عون على ضرب مبدأ المداورة؟ أجواء الثنائي رفضت التسليم للحريري بما أعلن، واعتبرت أنه لا يحق له فرض شروط حول فترة تولي وزير من طائفة معينة لأي وزارة، كما أن الطرح الثابت لدى الثنائي هو تقديم لائحة من 10 أسماء يتم اختيار واحد من بينها. عدا عن ذلك، لن يوافق حزب الله وأمل، وكل الطروحات والتنويعات ليست إلا للحفاظ على ماء الوجه.
بحال رفض الثنائي العرض كلياً، يعني أن المعركة أكبر من تشكيل حكومة. وستتعرقل المبادرة مجدداً بانتظار الانتخابات الأميركية. أما بحال وجود إرادة حقيقية بتشكيل الحكومة، فيعني أن “تنازل” الحريري سيكون مقبولاً، ولن تكون هناك عقبة لدى رئيس الجمهورية.
كيف حصلت التسوية؟ منذ أيام يضغط الفرنسيون في سبيل تقديم تنازل لحزب الله وإنجاح المبادرة، وتمرير حكومة بأي شكل وثمن. استمر رؤساء الحكومة على تشددهم. بعضهم لحسابات سياسية محلية، والبعض الآخر لحسابات شعبية، والبعض الثالث لحسابات مبدئية محلياً وخارجياً. ولكن، يوم الاثنين، بدأت الخلافات تكبر بين الرؤساء. حاول نجيب ميقاتي تمرير تسوية على القاعدة التي أعلنها الحريري في بيانه. لم يوافق عليها السنيورة، بينما الحريري كان بين التحفظ والمعارضة والليونة. لم يحسم موقف التنازل. وبقي الفرنسيون على الخط. غادرالسفير برونو فوشيه إلى باريس للبحث عن مخرج، يتركز على تسمية شخصية شيعية مستقلة لوزارة المال تحظى بثقة المجتمع الدولي وموافقته. استمر الضغط في هذا الاتجاه. يوم الثلاثاء، اتصل ماكرون بالحريري، وطلب منه هذا التنازل لتسهيل تشكيل الحكومة، وكفرصة لتقديم مساعدات للبنان، وتمرير جزء من مساعدات مؤتمر سيدر. واعتبر ماكرون انه بحال تعطيل الثنائي للمبادرة ما بعد التنازل، فإن فرنسا ستصدر بياناً تعلن فيه موقفاً من حزب الله وتحمله المسؤولية.
بحال تشكلت الحكومة، يكون الثنائي قد كرس “ميثاقية” وزارة المال (تكريس عرف شيعيتها). وبحال تعرقلت، سيحاول الحريري العودة إلى بيان رؤساء الحكومة الذين ابتعد عنهم، على أن تأخذ الأزمة بعداً خطيراً. المفارقة، أن موقف الحريري جاء بعد أجواء سرت في الكواليس عن أن ميقاتي هو الذي يريد التنازل لحزب الله، وبعد موقف لوليد جنبلاط قال فيه انه تواصل مع الحريري في سبيل التنازل ولم يوافق الأخير، ليعود ويتنازل، بينما تراجع ميقاتي، ولم يبق جنبلاط وحده يتحدث عن التسوية.
منير الربيع _ المدن