لبنان

إيران استغلت فرنسا كسباً للوقت وتكريساً لحزب الله بلبنان

في الانقسام العمودي الواقع حول مبدأ المداورة بالحقائب الوزارية بين الأحزاب – الطوائف، في الحكومة المرتقبة، وبعدما اتخذت الأزمة بعداً مذهبياً سنياً شيعياً، يبرز سؤال أساسي عن موقف رئيس الجمهورية من مسألة المداورة. صحيح أن عون اتخذ موقفاً واضحاً يؤيد المداورة. ولكنه فعل ذلك قبل أن تستجد الأسباب المعروفة التي عرقلت ولادة التشكيلة الحكومية. لذا، لا بد لرئيس الجمهورية من إعلان موقفه من ما يحدث. فالمسيحيون بأطيافهم كلها يعتبرون أنهم أكثر المتضررين من مسألة “المثالثة”، المزمع تكريسها انطلاقاً من تمسك الطائفة الشيعية بوزارة المالية، والتي توحي أنها مجرد خطوة نحو ما هو أكبر.

ماذا يريد عون وإيران 

لذا لا بد من سؤال عون: هل يريد تكرار تجربة حكومة حسان دياب، من خلال تشبث كل طرف بمطالب معينة، وبتسمية وزرائه؟

حزب الله وميشال عون هما من تحمّل الكلفة الأكبر من تكاليف حكومة حسان دياب. وحسابات عون اليوم تتركز على حماية عهده، في ظل تنامي العقوبات الأميركية. وهو أيد المداورة، شأن صهره جبران باسيل، قبل أيام من الاستعصاء.

ولكن ماذا بعد تشبث الثنائي الشيعي بموقفه؟ في هذا السياق، على عون أن يعلن موقفاً ما.

وإذا افترضنا أن الأميركيين يريدون تعطيل المبادرة الفرنسية، فهل يعمل حزب الله على ضربها وعرقلتها أيضاً؟

جواباً على هذا السؤال – وربطاً بمعلومات تفيد أن إيران دخلت بقوة على خط مساندة موقف الثنائي الشيعي، وعدم تضحيتها بالمكتسبات السياسية التي حققتها في لبنان – يبدو أن إيران لا مصلحة لها بدخول الفرنسيين إلى لبنان. فليس مريحاً لها أن تصبح باريس مرجع الأزمات اللبنانية، وتحظى برضى وقبول عربيين وغربيين. فبذلك سيكون هناك طرف جديد ينافس طهران في بيروت.

إيران تستعمل فرنسا؟ 
قد تكون الرؤية الإيرانية تتلخص في إبقاء لبنان منطقة نفوذ متنازع عليها بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية فقط، من دون أي شريك جديد. وبذلك تستمر الأزمة معلقة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، ليبنى على الشيء مقتضاه، ووفق ما تقود إليه المفاوضات بين إيران وأميركا المفترضة. وهكذا يكون لبنان ساحة مفتوحة للتجاذبات بين إيران والولايات المتحدة فقط، ولا حاجة لدخول الفرنسيين وتسجيلهم إنجازات. وتفضل إيران أن تكون شريكة طرف واحد (أميركا)، بدلاً من شراكتها مع طرفين. والأهم من أنها تلقفت المبادرة الفرنسية، كسباً لمزيد من الوقت والاستثمار في انتظار الانتخابات الأميركية، وعلى طريق شرعنة حزب الله وتمسكها بطرف دولي أوروبي يحافظ على علاقة معها ومع حزبها في لبنان.

ولكنها قي المقابل لا تريد إيران لفرنسا أن يكون صاحبة يد طولى في السياسات اللبنانية. فهي حتى الآن نجحت في فرض شراكة أساسية مع فرنسا في لبنان، من خلال التشكيلة الحكومية، في مقابل تلبية الشروط الشيعية التي فرضت.

تكريس حق الثنائي أبدياً؟
لكن في حال حصل الثنائي على وزارة المالية، واتُفق على اسم شيعي متوافق عليه، تكون الطائفة الشيعية ثبّتت حقاً لها تريد تأبيده في مسألة “التوقيع الثالث”، وفي احتفاظها بهذه الوزارة الأساسية.

قد تكون هذه الصيغة استثناءً، ولمرّة واحدة. لكن الطائفة الشيعية ليس من عادتها التخلي عن مكتسب تحققه. وغالباً ما تبدأ بمطلب جديد أكبر، ربما مستقبلاً، قد يطرح مثلاً مطلب منصب نائب رئيس جمهورية.

حالياً، وبعد مجريات اليومين الأخيرين، رمى الثنائي الشيعي كرة التعطيل على رؤساء الحكومة السابقين، والطائفة السنية. وفي هذا السياق يبرز إصرار رئيس الجمهورية على المداورة. ويُفترض بمواقف القوى المسيحية: من البطريركية المارونية إلى سمير جعجع وحزب الكتائب، إضافة إلى موقف الدروز، أن تعيد تعديل الميزان حول مسألة التعطيل. لكن حزب الله لا يكترث بذلك قائلاً: لا بأس في أن يكون البلد كله في مكان، وأنا في آخر.

المفاوضات الدائرة حالياً، مدارها منح وزارة المال لشخصية شيعية مستقلة، تحفظ حق الثنائي الشيعي بهذه الوزارة وتكرسه. وهذا في مقابل تنازله عن تسمية الوزراء الشيعة الآخرين.
وللوصول إلى هذه الصيغة تمارس باريس ضغوطها لإنقاذ مبادرتها.

منير الربيع _ المدن

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button