تحليل: بعد انفجار بيروت المميت، يتوجب على الجيش اللبناني البقاء على الحياد
إي بي سي نيوز _ بلال صعب وجوزف فوتل
18 آب، 2020
ترجمة صوفي شماس
أرغم الانفجار الكارثي الذي هزّ لبنان في الصميم في الرابع من آب المسؤولين الأميركيين على التركيز على ما هو أكثر أهمية: منع قيام دولة فاشلة أخرى في الشرق الأوسط لا يستفيد منها سوى خصوم أميركا الإقليميين.
لكن الطرف الذي بقي صامدا في لبنان ويستطيع أن يساعد في تحقيق هذا الهدف البسيط وتفادي هذا السيناريو الأسوأ – الجيش اللبناني – يتعرض لهجوم عنيف من قبل نفس القوى التي جلبت الخراب السياسي والإفلاس الاقتصادي إلى البلاد وسعت إلى تقويض الأهداف الأميركية في المنطقة: حزب الله وراعيه الأجنبي إيران.
لسنوات، سعى «حزب الله» إلى تشويه سمعة الجيش اللبناني وتصويره على أنه مؤسسة ضعيفة غير قادرة على الدفاع عن البلاد في وجه إسرائيل والتشدّد السني. وقد فعلت ذلك في الغالب لتبرير وضعها المسلح الفريد والحفاظ على الدور العسكري الذي تلعبه، والذي يقع خارج سيطرة أي دولة لبنانية.
ولكن في الآونة الأخيرة، اتّسعت هذه الحملة التي يشنها حزب الله ضد الجيش اللبناني نحو آفاق جديدة، إذ أن المجموعة الشيعية تشعر بقلق متزايد إزاء تحسّن كفاءة الجيش بفضل سنوات من التدريب مع الجيش الأمريكي، والإجماع المحلي الواسع النطاق حول دوره الأمني القومي والشراكة الناجحة التي يتمتع بها مع الولايات المتحدة.
في خطابه الأخير، انتقد الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله بشكل خاص الجيش، حيث استخفّ بوظائفه وقدراته ووصفه بأنه غير مؤهل للعب دور الحامي الوطني.
مرة أخرى، هذه الحملات الإعلامية التي يقوم بها حزب الله لا تحمل جديدا، لكنها تبدو الآن أكثر منهجية واستهدافا من أي وقت مضى، ويُشتبه في أنها جزء من جهود منسّقة بين حزب الله وطهران، من أجل مواصلة تحدي وتحييد المصدر الوحيد المتبقي لنفوذ الولايات المتحدة في البلاد.
ويعتقد الجيش اللبناني أنه يجري الإيقاع به لتحميله مسؤولية الانفجار الهائل الذي وقع في مرفأ بيروت – الذي تسبّب به فشل السياسيين (وليس الجنرالات) بالتخلص من المواد شديدة الانفجار (نترات الأمونيوم) التي كانت مخزنة في الميناء على مدى سنوات – وبالرد على الاحتجاجات الشعبية التي تلت ذلك.
تظهر مقاطع فيديو يتم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي الرئيسية والمتعاطفة مع حزب الله وحلفائه السياسيين، أفراداً من الجيش اللبناني يضربون المتظاهرين بالقرب من البرلمان اللبناني. لكن ما لا تظهره مقاطع الفيديو هذه هو ما حدث قبل دقائق من الاشتباكات، عندما استخدم بعض المتظاهرين العنف ضد الجيش، بل وحاولوا انتزاع بعض معداته.
يواجه الجيش اللبناني وضعا حساسا للغاية منذ تشرين الأول من العام الماضي حين استقال رئيس الوزراء سعد الحريري بعد أسابيع من الاحتجاجات ضد الحكومة. فمن ناحية، يتوجب عليه احترام حقوق الشعب في التظاهر السلمي – وفعل ذلك، إلى حد كبير، لأنه يدرك تماما أنه سيفقد الدعم الواسع للمجتمع اللبناني، وبالتالي دعم واشنطن، الراعي الرئيسي له، إن لم يفعل ذلك. ومن ناحية أخرى، لا يستطيع الجيش السماح للمتظاهرين باحتلال الوزارات الحكومية واستخدام العنف ضد جنوده، كما فعل بعض المتظاهرين، إن وظيفة الجيش اللبناني، كما هي مدونة في الدستور اللبناني، هي الحفاظ على السلم الأهلي.
اعتبر العديد من المتظاهرين في لبنان أن الوقت قد حان لكي يتخذ الجيش موقفاً تاريخياً ويقف إلى جانب المتظاهرين. هذا طلب غير واقعي. مع أفراد وعناصر من جميع الطوائف والأديان، يعكس الجيش المجتمع اللبناني. إنه ببساطة لا يتحمل أن يمارس السياسة، وللحفاظ على تماسكه وانضباطه ومنع تكرار تجربة العام 1976 – عندما انهار تماما بسبب تركيبته الطائفية بعد عام من الحرب الأهلية – لذا، عليه أن يبقى محايدا قدر الإمكان.
من جهة أخرى، لا يتمتع الاتجاه السياسي للمحتجين اللبنانيين بالمصداقية الكاملة. فالحركة بلا قيادة وغير منظمة، وهي لا تقدم، على الأقل حتى الآن، بديلا سياسيا عن الطبقة الحاكمة الفاسدة قابلا للتطبيق. لا يمكن للجيش أن يخاطر بكل شيء ويقفز إلى المجهول فقط ليأخذ موقفا أخلاقيا عاليا غير واضح قد يرضي أجزاء من المجتمع اللبناني ولكن ليس كلّه.
ومع ذلك، هناك فرصة لقيادة الجيش لبدء محادثة هادئة مع المتظاهرين – في حال ظهور قادة لهم – الآن، بعد أن منحه البرلمان صلاحيات واسعة نتيجة لحالة الطوارئ الي أُعلنت منذ 13 آب. هذا هو الوقت المناسب لكي يزيل قائد الجيش اللبناني، جوزيف عون، المخاوف الداخلية والأميركية ويصحّح المفاهيم الخاطئة.
لطالما كان بعض المسؤولين والمشرعين الأميركيين يتذمرون من مساعدة الجيش الأمريكي للجيش اللبناني. وهم يعتقدون أن الجيش مُخترق من قبل حزب الله أو أنه يهادن كثيرا التنظيم. واستنادا إلى تجربتنا، هذا اتهام غير مدعوم إلى حد كبير. فالجيش اللبناني، الرغم من عدم وجود أي سلطة سياسية أو مدنية توجهه، منذ العام الماضي على الأقل، حافظ على أقصى قدر من المصداقية بابتعاده عن حزب الله على الأرض وفي المجال السياسي.
لكل الأسباب الواردة أعلاه، يتعين على واشنطن أن تتجنب الوقوع في الفخ الذي ينصبه حزب الله وإيران. فالجيش اللبناني ليس بأي حال من الأحوال مؤسسة مثالية، لكنه ليس كما يصوره خصومه. فهو ليس عدو الشعب اللبناني ولا حليف السياسيين الفاسدين. بل هو أفضل أمل لواشنطن لمساعدة لبنان على الانتقال إلى بر الأمان في هذه الأوقات الوجودية إلى أن يتم تشكيل حكومة إصلاحية جديدة. وفي الواقع، إنها أفضل فرصة لواشنطن للحفاظ على نفوذ الولايات المتحدة ومصالحها في البلاد.
وبما أن الجيش اللبناني هو المؤسسة الوحيدة المتبقية في البلاد التي تعمل بالفعل في هذه البيئة المتفككة سياسياً واقتصادياً، فهو بحاجة إلى مساعدة الولايات المتحدة الآن أكثر من أي وقت مضى.