حياتنا التي دفعها “حزب الله” ثمنا لنفوذه
ثمة عطل أحدثه انفجار بيروت في الماكينة الداخلية للسلطة، وأعني بالماكينة الداخلية “حزب الله”، ذاك أن الأخير كان يستمد نفوذه علينا من قوة غير مرئية كان يحولها إلى وسيلة ضمنية لفرض هيبته. هذه القوة هي قدرته على إلحاق هزيمة بنا في الشارع وفي الميدان. صور الهزيمة كانت تلوح أمام أنظارنا بصفتها احتمال قتلنا، أو بصفتها تفجير سيارة أو تأديب مشاغب في الشارع.
وفي النتيجة مصدر النفوذ هو القدرة على ممارسة عنف ما. أما وقد بلغ العنف أقصاه عبر التفجير، فإن العنف الأصغر سيفقد قدرته على التأثير. هذه المعادلة ليست استعارة لغوية أو تشبيها مجازيا. هي اليوم واقع نعيشه. قوة “حزب الله” قبل الانفجار لن تكون هي نفسها بعد الانفجار. وهنا لا نتحدث عن قوته على الجبهات، إنما تلك القوة الضمنية الداخلية التي فرض عبرها نفوذه في الشارع وفي الإدارة وفي المؤسسات.
ماذا بعد الانفجار؟ لقد ابتلع مشهده كل شيء. نحن الآن في مرحلة ما بعد العنف، إذا أردنا أن نستعير العبارة من شقيقتها “ما بعد الحداثة”! كيف للحزب أن يدير عنفه وأن يوظفه بعد أن صار عنفا أصغر، أو عنفا أقل؟ فالثواني القليلة التي نقلت سكان العاصمة إلى جهنم، جعلت من كل ما هو أقل عصفا أمرا عابرا وممكنا وقابلا للمواجهة. كيف لشاب يشارك في التظاهرات، وقد ألقى به الانفجار إلى خارج منزله في الأشرفية أو في مار مخايل، أن يخاف بعد اليوم من أن يرفع صورة حسن نصرالله في التظاهرة وأن يكتب تحتها “كلن يعني كلن”؟ ما كان يمنعه من فعل ذلك هم الفتية المتربصين للمتظاهرين على تخوم حي اللجا، أما اليوم، فأن يرمي عليه أحدهم حجرا، فهذا ما لن يخيفه، ذاك أنه ناج من سقوط سقف منزله على رأسه. وهذا الأمر هو ما يفسر انتشار صور نصرالله بين صور أركان السلطة الفاسدة في التظاهرة من دون خوف أو تردد.
سعد الحريري قد يبدو أحد أبرز خصوم الحزب المحليين، وسعد هذا سيكون جزءا من ماكينة الحزب في “حكومة الوحدة الوطنية”
هذا على الصعيد التقني والعملي، أما سياسيا فالمعادلة تصح على نحو أكثر وضوحا. لقد أتى الانفجار على أحياء بأكملها في بيروت وقتل وجرح وشرد عشرات الآلاف. وهو انفجار ناجم عن فساد السلطة وعن فشلها وعن ضعفها. اللبنانيون كلهم يعرفون أن السلطة هي “حزب الله”. حين شَتَم وئام وهاب وزير الداخلية محمد فهمي، اشتكى الأخير للمسؤول الأمني في الحزب، ولم يشتك لرئيس الحكومة. نصرالله قال إن لا نفوذ له في المرفأ، لكن اللبنانيين كلهم يعرفون أن المرفأ مصمم لخدمة نظام الحزب ودولة الحزب ووظيفة الحزب. قد لا يحتاج نصرالله لنفوذ مباشر في المرفأ، لكن نفوذ العونيين فيه مستمد من علاقتهم بالحزب. الفشل هو فشل الحزب بالدرجة الأولى، فهو من يدير النظام، والأمر النهائي له في كل شيء. حين يقول حسن نصرالله إنه لا يريد تحقيقا دوليا في التفجير يظهر في اليوم الثاني ميشال عون ليردد من بعده ما قاله هو، وحين يتحدث عن الجهاد الزراعي، تنتشر في اليوم الثاني صورا لجبران باسيل وهو يفلح الأرض بمعوله!
يمكننا أن نذهب أبعد من ذلك في تصوير هذه المعادلة، فسعد الحريري قد يبدو أحد أبرز خصوم الحزب المحليين، وسعد هذا سيكون جزءا من ماكينة الحزب في “حكومة الوحدة الوطنية”، ذاك أنه سيؤدي الوظيفة المنوطة به مع قدرٍ من المسافة الوهمية مع الحزب، وهذا ما سيلبي أكثر ما يطلبه الحزب من دولته التي هي دولتنا.
قوة “حزب الله” قبل الانفجار لن تكون هي نفسها بعد الانفجار
لكن التفجير بعد أن أصاب ما أصاب، خلف من دون شك ضعفا في قدرة الحزب على الترهيب. لكن السؤال يبقى عما إذا كان لدى “حزب الله” حاسة استشرافية تمكنه من التقاط الحقيقة، ومن التعامل مع انكشافه بواقعية. التجارب مع الحزب على هذا الصعيد ليست مشجعة، وهو سبق أن التف على هزائم وكوارث عبر انتصارات وهمية ساعده على تكريسها وضع عام لم يكن يحتمل انقضاض الحزب على الدولة وعلى الشارع.
الدولة اليوم هي للحزب، والشارع مفرغ من سكانه، والانفجار أتى على أي عنفٍ أصغر منه، والعالم متحفز ويراقب، وحلفاء الحزب في حالة يُرثى لها. يبقى أنه علينا أن نراقب مدى تجاوبه مع مطلب حكومة حيادية لا تتمثل فيها أطراف السلطة كلها، وأن تعطى صلاحيات تمكنها من التعامل مع الكارثة الكبرى ومع شقيقات الكارثة، أي الانهيار المالي والعقوبات.
قد يقول قائل إن قبول الحزب بهذه الحكومة سيكون بداية الطريق إلى نهايته، وهذا ينطوي على مبالغة، على رغم أنها ستؤدي إلى الحد من نفوذه، وإعادته شريكا بحجمه المذهبي في السلطة. وفي النتيجة لا يمكن أن يقوم لبنان في ظل نفوذ مطلق للحزب. الانفجار هو تتويج لهذه المعادلة. فالثمن الذي دفعه الحزب لحلفائه لكي يمد نفوذه، هو تماما هذا الانفجار.
المصدر: الحرة