الحزب يهدي باسيل من كيس لبنان
لم يعد سرّاً أنّ “حزب الله” يواجه تحدّيات حقيقية إن في لبنان أو في سوريا وحتّى في العراق حيث خزائن الدولة باتت فارغة. في ضوء هذه التحدّيات، كان طبيعياً أن يبيع “حزب الله” التيّار العوني ورقة معمل سلعاتا.
في النهاية، ثمة حاجة، أكثر من أيّ وقت لدى الحزب، إلى الغطاء المسيحي في لبنان. أين المشكلة في بيع “العونيين” بضاعة من كيس لبنان، أي معمل للكهرباء قد لا يرى النور يوماً. اللهم إلّا إذا حصلت معجزة صينية!
المهمّ في سلعاتا هو الاستملاكات التي سترافق تنفيذ مشروع مشكوك أصلاً بجدواه. الأهمّ من ذلك كلّه أنّ مجرّد موافقة مجلس الوزراء على المعمل يشكّل انتصاراً معنوياً لتيّار وجد شعبيته المسيحية في الحضيض بعدما جلب على لبنان كلّ الكوارث. لا كارثة أكبر من انهيار النظام المصرفي اللبناني وانعدام الثقة بلبنان ومصارفه، وهي ثقة احتاج بناؤها قرناً من الزمن.
من بين أبرز التحديات المستجدّة التي تواجه الحزب “قانون قيصر” الذي وقّعه الرئيس دونالد ترامب العام الماضي بعد موافقة الكونغرس، بمجلسيه عليه. يفرض “قانون قيصر” مزيداً من العقوبات على النظام السوري وعلى كلّ من يتعامل معه بطريقة أو بأخرى، بمن في ذلك من يهرّب إليه الوقود وغير الوقود عبر الأراضي اللبنانية. هذا يعني أن “قانون قيصر” يطال إيران وكلّ أدواتها التي تمتلك ارتباطات مع النظام السوري.
ربط الحزب الاقتصاد اللبناني بالاقتصاد السوري ولا يزال مصرّاً على ربطه أكثر به بعدما لعب دوراً كبيراً في إفراغ السوق اللبنانية من الدولار خدمة للنظام الأقلّوي القائم في دمشق.
كان همّ “حزب الله” قبل ثماني سنوات محصوراً بإنقاذ النظام السوري. انتقل همّه في المرحلة الراهنة إلى إنقاذ الاقتصاد السوري الذي تحوّل إلى نقطة الضعف الرئيسية لدى نظام لم يكن لدى أفراد العائلة الحاكمة فيه من همّ آخر غير نهب سوريا.
يحدث ذلك كلّه في وقت تواجه إيران أزمة اقتصادية بالغة الخطورة يُطرح فيها مصير نظام “الوليّ الفقيه” على المحكّ… وفي وقت دخل فيه الاقتصاد اللبناني مرحلة السقوط الحرّ في ظلّ حكومة أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها مهزلة. الدليل على ذلك، أنّها تفاوض صندوق النقد الدولي من أجل القول إنّها تفاوض. بكلام أوضح، يفرض صندوق النقد عادة شروطاً قاسية لا يستطيع التزامها إلّا رجال الدولة الأقوياء الذين يقودون الشارع ولا ينقادون له. ليست مشكلة “حكومة حزب الله” في “عهد حزب الله” في أنّها لا تمتلك رجال دولة فحسب، بمقدار ما أنّها لا تعرف أيضاً أهمّية عامل الوقت لبنانياً، وماذا يدور في المنطقة والعالم.
في هذا التوقيت، يقدّم “حزب الله” التنازل المطلوب منه في ما يخصّ معمل الكهرباء في سلعاتا إرضاء لجبران باسيل رئيس التيّار الوطني الحر وصهر رئيس الجمهورية ميشال عون.
بقدرة قادر، رضخ رئيس مجلس الوزراء حسّان دياب، من دون أن يرفّ له جفن، لما يطالب به ميشال عون وجبران باسيل، أو على الاصحّ باسيل قبل عون. صار معمل سلعاتا جزءاً من خطة إعادة التيّار الكهربائي إلى لبنان 24 ساعة على 24 بعد انقطاع جزئي دام سنوات طويلة كان فيها “التيّار الوطني الحرّ” مسؤولاً عن هذا الملفّ. إنّه الملفّ الفضيحة الذي كلّف لبنان مزيداً من الدَّيْن بحدود خمسين مليار دولار، أي نصف الدين العام الذي جعل أموال المودعين اللبنانيين والعرب والأجانب محجوراً عليها في المصارف.
مرّة أخرى لماذا تنازل “حزب الله” لباسيل؟ الجواب في غاية البساطة. هناك حاجة لدى الحزب لغطاء مسيحي لسلاحه غير الشرعي. إنّها سياسة قصيرة النظر تصبّ في مصلحة أطراف عدّة، لكنها لا تصب بأيّ شكل في مصلحة لبنان. ماذا لو تنازل “حزب الله” عن سلاحه لمصلحة لبنان وليس لمصلحة حزب لبناني لا همّ له سوى التظاهر بأنّه يستعيد حقوق المسيحيين بسلاح ميليشيا وضعت نفسها في خدمة إيران ومشروعها التوسّعي.
ما حصل في جلسة مجلس الوزراء يوم الجمعة الماضي يثير الشفقة لا أكثر. الشفقة على لبنان الذي يتبيّن أكثر من أيّ وقت أنّه رهينة وأن “حزب الله” الذي لا يهمّه مصير البلد ومصير أهله بمقدار ما تهمّه مصلحة النظام في إيران. من أجل تحقيق مبتغاه، أي أن يكون لبنان مجرّد “ساحة” يهون كلّ شيء… بما في ذلك تقديم هديّة لـ”التيار” من كيس لبنان. هديّة تؤكد في الوقت ذاته انّ “حزب الله” يمسك بكلّ خيوط اللعبة اللبنانية على الرغم من كلّ التحديات التي يواجهها من جهة وأن انهيار الاقتصاد اللبناني، بما في ذلك النظام المصرفي آخر همّ من همومه من جهة أخرى.
اساس ميديا