بطريرك من ذهب
في إحدى إطلالاته الإعلامية النادرة، جلس البطريرك الماروني نصر الله صفير وكأنه في موقع لا يشبهه، تحاول الإعلامية بولا يعقوبيان عبثًا أن تُخرج الكلمة من فمه، تطرح عليه سؤالًا بحجم مقدمة دستور أو توطئة كتاب، فيجيب بنعم أو كلا، وقد يُلحقها أحيانًا بهزة رأس أو اشارة تُضاف إلى ما تقدم من إجابة لا تتعدى كلماتها عدد أصابع اليد الواحدة. هكذا هم البطاركة بشكل عام، لكن صفير كان أكثرهم صمتًا وأقلهم كلامًا وأشدهم تأثيرًا ووقعًا ومكانة.
قيل له لا بد أن تذهب إلى سوريا، خطّ استقالته ومشى، قال دون أن يقول: فليذهب من يذهب، نصر الله صفير ليس براغماتيًا، الضمير لا يتنّقل بالبريد السريع، والموقف ليس فندقًا ننام في رحابه كلما ضاقت بنا الأرض، والمبادئ لا تعرف صيفًا وشتاءً فوق سقف واحد، أنا بطريرك الموارنة، ضمير لبنان وحامل مجده ورسالته، سأنام في العراء، أفترش الأرض وألتحف السماء، وأهرول نحو الله بلا ضجيج، وليسمع العالم، كل العالم، لسنا عابرين في هذا الشرق، نحن قديسوه وصانعو مجده وخزان كرامته.
نصر الله صفير، لا مجال للخطأ أو المناورة، فالرسالة سامية، والطريق معبّدة بالدم والدموع والأمل، والهدف واضحٌ وضوح الشمس: نحن قديسو هذا الشرق ..
في خضّم هذا الشرق الحزين، وفي لحظة الجنون الجماعي من المضيق إلى المضيق، يبدو نافرًا هذا الانزلاق العبثي نحو الدرك، المنطقة تشتعل على وقع قرع صنوج الحرب بين السنّة والشيعة، والعالم برمته يزرح فوق صفيح ملتهب، كم نحن بحاجة إلى دور مسيحي عاقل، بعيدًا من الرؤوس الحامية والغوغائيات والانعزال، كم نحن بحاجة لحضوركم، أنتم موارنة “محمد” المعوشي وبطرس صفير، اخلعوا عنكم هذا الزيف وتعالوا…..
بقلم قاسم يوسف (بتصرف)