“المجموعة الدولية لدعم لبنان”: الدعم مرهون بالإصلاحات ولا سيما في قطاع الكهرباء
الجميع يستعجل الحكومة اللبنانية إنجاز برنامجها الإصلاحي للوضعين المالي والاقتصادي، سواء على صعيد القوى السياسية الداخلية، أو على صعيد الدول الكبرى المعنية بمساعدة لبنان، ليُبنى على الشيء مقتضاه، لكن بعد عرضه على صندوق النقد الدولي وطلب مساعدته إخراج لبنان من الأزمة الحادة التي يغرق فيها وزادتها انعكاسات وباء كورونا الاقتصادية حدّة.
كان لافتاً أن السفير الفرنسي في بيروت برونو فوشيه أبلغ رئيسَيْ الجمهورية ميشال عون والحكومة حسان دياب خلال اجتماعهما والوزراء المختصين مع سفراء “مجموعة الدعم الدولية للبنان”، أن ” أكثر من 90 دولة طلبت مساعدات في الوقت الراهن” بسبب أزمة كورونا، ملمحاً بذلك إلى أن مسألة المساعدات ستخضع لتسابق بين الدول على الحصول عليها من الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية التي سيلجأ إليها لبنان، وفي طليعتها صندوق النقد الدولي.
الرسالة اللبنانية: التعبئة للدعم المالي
فالاجتماع الذي دعا إليه عون الاثنين الماضي هدف إلى إبلاغ أعضاء “مجموعة الدعم”، التي تضم سفراء الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي زائد ألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والأمم المتحدة، بالوضع المالي الاقتصادي والعناوين العامة للخطة الإصلاحية التي تُعدّها الحكومة، وفق العرض الذي قدمه وزير المال غازي وزني ومعه المدير العام للوزارة. والرسالة الرئيسة التي أراد الجانب اللبناني إيصالها إلى ممثلي هذه الدول هي كما قال عون إنّ “البرنامج الإصلاحي للحكومة يحتاج إلى دعم مالي خارجي”، وهو أمر كرّره دياب محدداً بدقة أكثر المطلب حين قال في كلمته: ” نعوّل على قدرتكم على التعبئة لدعمنا في مجالس المؤسسات من حيث تخصيص الموارد المالية” للخطة الاقتصادية التي أوضح أن حكومته “تضع اللمسات الأخيرة عليها”. كما أن وزير المال غازي وزني كرّر الطلب حين قدم عرضاً للخطة الإصلاحية المالية.
فضلاً عن إشارة السفير الفرنسي إلى عدد الدول التي طلبت مساعدات مالية، نظراً إلى تسبب كورونا بانكماش اقتصاداتها فرضت علامات استفهام حول مدى قدرة المجتمع الدولي على تلبية حاجات لبنان في هذا الظرف، فإنّ المداخلات التي أدلى بها سفراء الدول الكبرى تميّزت بأمرين:
الأول، أن كلاً منهم قدم عرضاً بأرقام المساعدات التي قدّمتها دولته إلى لبنان في الآونة الأخيرة، سواء مباشرة أو عبر المنظمات الدولية. لكن معظم هذه المساعدات تندرج تحت عنوان “المساعدات الإنسانية” وتتعلّق بالشرائح الفقيرة في البلاد، إضافةً إلى النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، ونتائج كورونا، فيما ذكّرت السفيرة الأميركية دوروثي شيا بالمساعدات للجيش. وأبدى السفراء استعداداً لدعم لبنان ولكنهم ربطوا ذلك بالإصلاحات المالية الاقتصادية سواء التي التزم بها في مؤتمر “سيدر” (عام 2018 في حكومة الرئيس السابق سعد الحريري) أو تلك التي أعربت الحكومة الحالية عن نية تنفيذها بعد تفاقم الأزمة. وشدّدوا على السرعة في إنجاز الإصلاحات لتشجيع الدول على تقديم المساعدة.
أين صندوق النقد؟
الثاني هو أنه على الرغم من تأكيد وزني أكثر من مرة في عرضه أن الخطة الإصلاحية تأخذ في الاعتبار توصيات صندوق النقد الدولي، وتتعاون مع البنك الدولي، فإنّ السفيرين فوشيه وشيا عادا فأثارا في نهاية الاجتماع ضرورة اتفاق لبنان مع الصندوق وطلب مساعدته. كما أن فوشيه وسفير الاتحاد الأوروبي رالف طراف، أشارا إلى أنّ قرارات مؤتمر “سيدر” (خصص 11 مليار دولار لمشاريع استثمارية) ما زالت قائمة.
لا التزامات مالية
كان من الطبيعي أن يتجنّب السفراء أي التزامات مالية باستثناء إبداء الاستعداد للدعم المرهون بالإصلاحات، وهو موقف معروف منذ سنتين أصاب بعضهم الملل من كثرة ترداده، واستغرابهم للتأخر فيها، ولا سيما في قطاع الكهرباء الذي اعتبرته الدول المانحة ذات أولوية لأنه يؤشر إلى مدى جدية لبنان في التخلص من الفساد ومن التوجه إلى خفض تدريجي في عجز الموازنة، نظراً إلى الخسائر التي يسببها منذ عام 2010 (مليار ونصف المليار على الأقل سنوياً). فمداخلات الرئيسَيْن والوزراء خلال الاجتماع لم تأتِ على ذكر الإصلاح في هذا القطاع، الذي يصرّ فريق عون على مواصلة خططه السابقة في شأنه على الرغم ممّا سببته من خسائر، ما اضطُّر سفراء إلى التذكير بالإصلاح فيه.
غياب الدول العربية
لكن اللافت أيضاً أن مجموعة الدعم الدولية للبنان عُقدت في القصر الرئاسي للمرة الثانية من دون دعوة أربع دول عربية إليها درجت العادة على دعوتها على الرغم من أنها ليست في عداد أعضائها، هي مصر والسعودية ودولة الإمارات والكويت. ممثلو هذه الدول سبق أن وُجّهت إليهم الدعوة إلى اجتماع المجموعة في باريس في 11 ديسمبر (كانون الأول) الماضي بناء على إلحاح من الجانب الفرنسي فتغيّبت مصر والسعودية، لكنهم لم يحضروا جميعاً الاجتماع الذي عُقد في بيروت في 23 يناير (كانون الثاني) الماضي عقب الإعلان عن تشكيل حكومة دياب. فالموقف العربي والخليجي ما زال يتعاطى بفتور مع الحكومة القائمة ويتجنّب الإيحاء بدعمها، خلافاً للاعتقاد الذي أشاعه دياب عند تأليف حكومته بأنه سيزور هذه الدول لطلب مساعدتها. فأي منها لم يظهر أي إيجابية حيال تركيبة الحكومة ولم يزره أي من سفراء دولها على جري العادة عند تأليف حكومة جديدة… والسبب المعروف هو اقتناع هذه الدول بأن الحكم اللبناني والحكومة ما زالا خاضعَيْن لنفوذ “حزب الله” الذي تتوالى عليه العقوبات من الإدارة الأميركية، في إطار الضغوط التي تمارسها على إيران وأذرعها، والتي تؤيدها الدول العربية المتضررة من تدخلات طهران في شؤونها. فهذه الدول تعتقد أن هيمنة الحزب السياسية على الحكم اللبناني فضلاً عن أضرارها السياسية، تشكّل غطاء للفساد المشكو منه. ويحاول وزير الخارجية الجديد ناصيف حتي الذي التقى عدداً من نظرائه العرب قبل شهرين، أن يبدّد صورة تبعية الحكومة للحزب في سياستها الخارجية التي كرّسها سلفه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. وهذا ما دفعه إلى إصدار بيان قبل أيام يدين “الهجمات الصاروخية التي تعرّضت لها المنشآت المدنية في مدينَتَيْ الرياض وجيزان في المملكة العربية السعودية، والتي شكّلت تعدياً صارخاً على السيادة الوطنية لدولة شقيقة وانتهاكاً للقانون الدولي وعرّضت سلامة المدنيين الآمنين للخطر”. ولم يذكر البيان الحوثيين. إلّا أنّ أوساط القوى السياسية المطّلعة على الموقف الخليجي تعتبر أن هذا الموقف اليتيم لا يفي بالغرض لجهة تحسين نظرة الدول الخليجية إلى الحكومة.
يفضي ما تقدم إلى أن تلبية مطالبة لبنان بالمساعدات المالية لإطلاق برنامجه الإصلاحي تواجه عقبات متنوعة، لا سيما أن الحكومة تأخرت في إنجاز هذا البرنامج، من جهة، وفي طلب مساعدة صندوق النقد الدولي الذي له شروطه، من جهة أخرى، إضافةً إلى أن معالجات تداعيات وباء كورونا على الاقتصاد العالمي، قلب الأولويات التمويلية الدولية، ما عبّرت عنه السفيرة الأميركية في بيروت حين قالت في كلمتها في اجتماع “مجموعة الدعم الدولية” إنّ لبنان “لا يمكنه المضي قدماً نحو مستقبل رخاء وازدهار من دون مواجهة كورونا والأزمة الاقتصادية المالية معاً وتداعياتهما المتداخلة”.
مراهنة لم تعد صالحة
وتقول جهات معنية بالإصلاحات الاقتصادية إنّ مراهنة بعض الحكومة والعهد الرئاسي على أن المجتمع الدولي لن يترك لبنان ينهار اقتصادياً، لم تعد صالحة أمام التطورات السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية. بالتالي، يجب عدم الاعتماد على هذه الفرضية، المقصود من ورائها تفادي تصحيح الموقف السياسي للدولة اللبنانية ووقف سلوك الانتماء للمحور الإيراني والانصياع لنفوذ “حزب الله”.
وقد يكون الاستعجال الدولي والسياسي الداخلي لإنجاز البرنامج الإصلاحي، دفعا الحكومة إلى مباشرة بحث مشروع البرنامج الإنقاذي الإصلاحي الثلاثاء الماضي، الذي سيستمر في الأيام المقبلة تمهيداً لإقراره وطلب مشورة صندوق النقد حوله. وما تسرّب عنه يشير إلى إجراءات تنسجم مع بعض توصيات الصندوق لجهة زيادة الرسوم على المحروقات وعلى ضريبة القيمة المضافة للكماليات مثلاً واعتماد ضريبة تصاعدية تطال الأغنياء وإجراءات خفض كلفة القطاع العام (عارض بعضها سابقاً فرقاء مثل “حزب الله”، رافضين تحميل محدودي الدخل أعباء…). والبرنامج يحتسب خسائر الاقتصاد اللبناني المالية بقيمة 83 مليار دولار سيتحمّلها مصرف لبنان والمصارف ودافعو الضرائب، مع خطط لإعادة هيكلة الدين العام والقطاع المصرفي (قُدّرت خسائره بنحو 62.4 مليار دولار). وسيخضع البرنامج، الذي يقدّر الحاجة التمويلية الخارجية بـ 10 إلى 15 مليار دولار، لنقاش داخلي واسع بعد إقراره في الحكومة، فيما ترجّح مراجع نيابية معنية بالوضع المالي أن يطلب صندوق النقد خطة تحفيز اقتصادية، إضافةً إلى خطة الإصلاح المالي.
المصدر : اندبندنت العربية