ليس بالفوتوشوب تبنى الأوطان…
يأتي علينا كل بضعة أعوام، وزير يعرف كيف يستغل توقنا لوزراء من خامة أهل العمل، من هؤلاء الذين نراهم في فقرة أخبار من العالم، وزير يعمل بتواضع، يتمشى بين الناس، يستقل النقل العام، يرفع كميّ قميصه دوما وينجز..
يأتي علينا كل بضعة أعوام، وزير يعرف كيف يلعب لعبة الإعلام، ويوهمنا بأنه منكب على العمل، وأن الوزارة في عهده، تحولت إلى خلية، وأن الملفات تدرس تباعا، والحاجات كلها سوف تلبى.
فنتهافت نحن البسطاء بطيبتنا، الخلوقون في تربيتنا، للتعبير عن امتناننا له، بأبيات من الشكر على صفحاتنا، ومقالات من المدح في صحفنا، وتقارير من التبجيل على قنواتنا… وإن كان ما نكتب على صفحاتنا معظمه بريء مدفوع من رغبتنا بأن نشعر بوجود دولة ترعانا، فإن بعض المديح في إعلامنا مدفوع بغايات سياسية او استثمارية او نقدية.
أتقن وزير الصحة الحالي ما اتقنه كثر قبله في الأشغال والدفاع والاتصالات، وهو يعرف جيدا أننا نحن الخائفين من مصير مجهول يرسمه سراً فيروس خطير، نريد أن نتعلق بقشة مخلّص يهديء من روعنا ويهمس في لاوعينا اننا في دولة ترعانا، وأننا سوف لن نموت.
لا داعي للهلع قال الوزير بداية، وتدرج بالموقف إلى أن أعلن اننا انزلقنا، وبين المحطتين وابل من المؤتمرات والخطب عن خلية أزمة وعن عمل بلا كلل وإنجازات أدهشت العالم وجعلت كبرى حكوماته تهنئنا بينما فشلت هي..
وفي اللحظة المناسبة، وبالتزامن مع بدء عودة المغتربين التي صورت كإنجاز أعظم من انجاز اعلان هبوط اول انسان على سطح القمر، وتزامنا مع جولات الوزير على المناطق وهذه بالمناسبة استراتيجية لطالما اتقنها وزراء حركة أمل والحزب الاشتراكي، أُطلقت على الإعلام الإجتماعي حملة امتنان وشكر للوزير، مدفوعة من صورة لوجه تعب، اشتاق اللبنانيون أن يروها في وجوه سياسييهم.
نسي بعضنا حتى من أهل الثورة الذين أحرقت هذه الحكومة خيمهم واعتقلت عددا من أقرانهم، أن السيد الوزير تأخر في الدفع باتجاه إقفال المطار، وأنه أدار أذنا طرشاء للأصوات التي طالبته بحجر كل الركاب القادمين من دول موبوءة في فنادق إلى أن يتبين خلوّ أجسادهم من الفيروس.
نسي بعضنا اننا نسجل نسبة عالية من الوفيات، وأن عدد الحالات المعلن مرجح جدا أن يكون غير صحيح، لأن الوزارة لم تؤمن حتى وقت قريب العدد الكافي من الفحوصات، ولأنها منعت استخدام الفحوصات السريعة وأجلت استخدامها إلى الأول من أيار، ومن يعرف عندها، كم سيكون رقم الحالات المسجلة، وكم عدد الحالات التي اصيبت وشفيت قبل أن تسجل، لكنها نقلت العدوى لغيرها.
يسجل لهذا الوزير أنه يعمل، وهو لا يتحمل مسؤولية فشل وزارة الصحة في لبنان على بناء قطاع صحي حكومي محترم، ولا يتحمل هو حتما سوء حالة المستشفيات الحكومية رغم الملايين التي أنفقت عليها، لكن الطبقة السياسية التي يمثلها هذا الوزير تتحمل حكما هذه المسؤولية مع باقي المكونات السياسية.
علينا أن نكون اقل طيبة وأكثر دقة في المحاسبة. من يقوم بواجبه لا يُشكر، فنحن لا نُشكر يوم ندفع ضرائبنا مثلا.. وعلينا أن نقلل من توقنا لرجل يعمل، كي لا نقع في فخ الفوتوشوب كما وقعنا بالأمس.. وعلينا أن نقتنع مجددا، بأننا لن نرى دولة إلا بعد أن نقترف جرم الثورة، الثورة التي تطيح بكل شيء، وتهد الهيكل فوق رؤوس الجميع.
ليس بالفوتوشوب تبنى الأوطان.
كتب هادي جعفر في نافذة العرب: