مجلس القضاء يتمسك بالتشكيلات.. و”العهد” أمام خيارات صعبة
سجّل مجلس القضاء الأعلى هدفاً في مرمى وزيرة العدل ماري كلود نجم، ومن ورائها رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي، بإصراره على صدور التشكيلات القضائية بالصيغة النهائية التي وضعها، ومن دون الأخذ بأي من الملاحظات التي وضعتها الوزيرة، والتي جاءت بتعليمات من “الباب العالي”، وعدم إدخال إي تعديلات عليها.
ويشكّل إصرار مجلس القضاء على صدور التشكيلات كما هي، خطوة أولى على طريق تكريس استقلالية السلطة القضائية، وإبعادها عن التأثيرات السياسية، كما سجّل رئيس المجلس القاضي سهيل عبّود سابقة في الجرأة والحزم وقطع الطريق على التدخلات التي طالما تحكّمت بالتشكيلات السابقة، على قاعدة “أهل مكّة أدرى بشعابها”. وأعاد تذكير المرجعيات السياسية والقوى والأحزاب بأن “مجلس القضاء يمثّل رأس السلطة القضائية ومرجعيتها الوحيدة، هو الأكثر دراية بشؤون القضاة، والأولى بمعالجة أمور القضاء وإعادة بناء جسور الثقة مع الناس.
أعراف جديدة
ورغم احترام مجلس القضاء للمعايير والأصول القانونية التي تجيز لوزير العدل، أياً كان هذا الوزير وأياً كان ولاؤه السياسي، “إبداء رأيه ووضع الملاحظات التي تراعي مصلحة القضاء دون سواه، إلّا أن لا مجال للمجاملة أو المسايرة، إذا كانت ملاحظات الوزير تتخطى المبادئ العامة لمعايير التشكيلات”. وكشف مصدر قانوني مواكب لمسار التشكيلات، أن “وزيرة العدل وبدل أن تقرن أقوالها بالأفعال وتترجم ما وعدت به لجهة دعم استقلالية القضاء، أدخلت في ملاحظاتها أعرافاً جديدة، خصوصاً عندما تحدثت عن عدم مراعاة التوازن الطائفي في المراكز التي شملها التغيير”. ورأى المصدر نفسه أن نجم “فتحت أبواباً جديدة على التدخلات السياسية في عمل القضاء، من شأنها مصادرة صلاحيات مجلس القضاء، عندما تحدثت عن عدم الأخذ برأي وزيرة الدفاع بما خصّ اختيار قضاة المحكمة العسكرية”. مشيراً إلى أن “القضاة الذين ينتدبون إلى المحكمة العسكرية، هم قضاة عدليون، ويخضعون لسلطة مجلس القضاء وقراراته، وليسوا في جزيرة معزولة”.
خيارات صعبة
ومع ظهور الخلاف أو التباين بين وزيرة العدل ومجلس القضاء الأعلى إلى العلن، ما هو مصير التشكيلات القضائية؟، هل باتت وزيرة العدل ملزمة بتوقيع المرسوم؟ ماذا سيفعل مجلس القضاء في حال احتجاز المرسوم في أدراج وزارة العدل؟.
يجيب مصدر قضائي على هذه الأسئلة، ويؤكد لـ “المدن”، أن “قرار مجلس القضاء يلزم وزيرة العدل معنوياً بأن توقّع على المرسوم، وتحيله إلى وزيري الدفاع والمال ثم رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية ليصدر وينشر فوراً، لكن عملياً لا شيء يرغم الوزيرة على توقيعه، طالما أن توقيعها وتوقيع المسؤولين المذكورين أعلاه مسألة إلزامية لصدور التشكيلات”.
ويلفت المصدر المذكور إلى أنه “في حال امتناع وزيرة العدل ومن خلفها عن توقيع المرسوم، تجمّد التشكيلات وتبقى الأمور على ما هي عليه”، مذكراً بأن “تجميدها لا يشكل إحراجاً للعهد وفريقه، بل انقلاباً على كل شعاراته وتعهداته بحماية القضاء من التدخلات السياسية، وإطلاق يده في محاربة الفساد، كما تضرب ما تبقى من مصداقية لدى رئيس الحكومة، الذي لا ينفك يردد في خطاباته، أن الحكومة أطلقت فعلياً ورشة الإصلاح في مؤسسات الدولة، بدءاً من التشكيلات القضائية التي وصفها بـ”المثالية”.
هل تنتهي الأمور عند هذا الحد؟
اللهم إني قد بلّغت
يتوقع المصدر القضائي “ألا يقف مجلس القضاء مكتوف اليدين ومستسلماً أمام مصادرة إرادته”. ويشير إلى أن “أي تدبير من هذا النوع يقود إلى مواجهة لا يرغب أحد بها”، مذكراً بالكلام الذي صدر عن القاضي سهيل عبود الأسبوع الماضي أمام ممثلي الحراك الشعبي، وتأكيده أنه “لن يتهاون في معركة استقلال القضاء، وأن كلّ الخيارات مطروحة أمامه في حال لمس محاولات لإفشال مشروعه بما فيها خيار الاستقالة، ويصارح القضاء والشعب الذي يحكم باسمه، قائلاً: اللهم إني قد بلّغت.. اللهم فاشهد”.
المصدر :المدن